المولد والنشأة
هو محمد بن سليمان بن عبد الله آل جراح، وآل جراح هم آل فضل من بطون بني «لام» من طيء، وطيء من قحطان بني النبي هود عليه السلام.. كما جاء في «المنتخب في ذكر قبائل العرب».
هاجر جده عبد الله من بلدة «حرمه» إلى الكويت في سنة الجفاف والقحط التي هلك فيها الزرع والضرع وكان له في الكويت آنذاك خال، رجل صالح اسمه محمد بن حمد السليمان وكان مؤذن مسجد العداسنة الكبير وله في بيته «كتاب» يعلم فيه القرآن والخط والحساب وعرف عن خاله أنه كان يرقي المرضى المصابين بالحسد أو السحر أو الصرع برقية شرعية يشفون بعدها بإذن الله.
ولد فضيلة الشيخ محمد بن جراح في الكويت عام 1322هـ الموافق 1904م، بعد هجرة جده إلى الكويت بنحو أربعين عاما.
حبه تلقي العلم
ابتدأ بتعلم القرآن الكريم وهو صغير السن بمدرسة الملا أحمد الحرمي الفارسي الأصل, وأكمله في مدرسة «الملا محمد المهيني» وتعلم الكتابة والحساب وقسمة المواريث بمدرسة «السيد هاشم الحيان، وقد حفظ في أول شبابه الرحبية في المواريث ومنظومة الآداب والدرة المضية للسفاريني.. وتعلم مبادئ الفقه على يد علامة الكويت في وقته الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان وبعد وفاته رحمه الله لازم الشيخ عبد الله الفارسي، وشيوخه في العربية الشيخ أحمد عطية الأثري والشيخ عبد العزيز قاسم حمادة، وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن محمد الفارس متن الأجرومية، وكان يشاركه في هذه القراءة الشيخ عبد الله النوري.
أوجه الإحسان في حياته
يشهد السيد عبد الرحمن عبد الوهاب الفارس الوكيل المساعد بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سابقا بأن الشيخ محمد آل جراح قد تبرع قبل وفاته بقطعة أرض كبيرة في ضاحية عبد الله السالم قطعة (1)، ليبني عليها مسجدا على نفقته الخاصة وأنه أوصى السيد عبد الرحمن عبد الوهاب الفارس بذلك، كما أن الشيخ تبرع قبل وفاته بمبلغ كبير لبيت الزكاة بالكويت.
في مجال الدعوة والإرشاد
كان «رحمه الله» علما من أعلام الكويت في الهدى والإرشاد، وقدوة طيبة في العطاء والإحسان، كان المربي الفاضل يدرس لطلاب العلم الفقه والفرائض واللغة العربية ويؤدي واجب الإفتاء ويعقد حلقات تلاوة القرآن ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في يومه وليلته حتى أسس النهضة الدينية في الكويت، ومن صفاته صبره الطويل في تتبع كل معلومة.
وتتلمذ على يديه الكثير ومنهم الأساتذة والسادة الأفاضل: الشيخ أحمد الغنام الحمود، الملا محمد صالح العجيري، أحمد عبد العزيز الحصين، محمد سليمان المرشد، من طلبة العلم كل من الأساتذة والسادة الأفاضل: أنور الشعيب، د. بدر الماص، د. وليد عبد الله المنيس، محمد ناصر العجمي، جاسم الفهد، خالد سليمان الخليفي، جراح الجراح، ياسر المزروعي، محمد عبد الرحمن الفارس، وسام العثمان وعدنان النهام، ولم يتوقف الشيخ محمد آل جراح عن التدريس حتى أنهكه المرض، فهو في ذلك خير قدوة وأسوة حسنة للعلماء المجاهدين الصابرين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا». رواه مسلم.
-تولى في بادئ الأمر وظيفة الإمام في مسجد العثمان في حي القبلة بعد أن استخلفه فيه الشيخ يوسف بن حمود رحمه الله، ثم تولى الإمامة في مسجد عباس بن هارون.
عمل فضيلة الشيخ محمد آل جراح في الخطابة وكان ينوب عن الشيخ أحمد الخميس رحمه الله بمسجد البدر ثم في مسجد العثمان خطيبا أيضا ثم في مسجد الساير القبلي وأخيرا في مسجد السهول ومسجد المطير وكلاهما في ضاحية عبد الله السالم.
كان رجلا تقيا ورعا لم يبخل بعلمه على أحد، ينشره كالضياء على من حوله وعلى كل السائلين الراغبين في التفقه. ولقد كان مسجد السهول الذي كان الشيخ خطيبا فيه منارة من منارات العلم في الكويت. ورغم غناه ويسر حاله، كان زاهدا في الدنيا وزاهدا في الشهرة بسيطا في مأكله وملبسه يأكل من عمل يده حيث فتح والده له ولإخوته دكاكين للتجارة.
وذلك مصداقا للحديث النبوي الشريف:
«ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده». رواه البخاري
قالوا عنه
أصدر بيت الزكاة عقب وفاته «رحمه الله» بيانا نعى فيه المغفور له الشيخ محمد بن سليمان الجراح أشاد فيه بعلمه وبما أفاض به على الناس ومما جاء في هذا النعي قول الشيخ محمد الجراح رحمه الله عن نفسه «إني طويلب علم مقصر ليس معي من فضله العلم إلا علمي بأني لست بعالم».
قال عنه الدكتور عبد الرحمن حمود السميط أمين عام لجنة مسلمي أفريقيا: «لقد كانت حياة الشيخ وقفا لخدمة البلاد والعباد ونشر العلم الشرعي بين يد طلبة العلم والناس على اختلاف مشاربهم».
وقال الدكتور علي الزميع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق: «لقد نذر الشيخ محمد آل جراح نفسه وحياته للعلم والتدريس والتوجيه والدعوة إلى الله ولم ينقطع عن العطاء رغم تقدمه في السن إلى أن اختاره الله».
وقال عنه فيصل الزامل في مقال نشر بجريدة الأنباء: لقد كان الشيخ في حالة انسجام تام مع حالة العالم المتعلم ومع طبيعة الشيخ الزاهد المترفع عن سفاسف القول. كما رثاه عبد اللطيف الديين: قائلا:
أبا الجراح قد أحدثت كلما بصرح العلم وانصدع الجدار
وفاته
انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس الموافق 12 جمادي الأولى 1417هـ الموافق 26 سبتمبر 1996 وودعته الكويت في موكب مهيب رحمه الله شيخنا الفاضل وأسكنه فسيخ جناته.