نقدم لكم قصة مريم بنت عمران خير نساء العالمين ، من القصص التي وردت في القرآن الكريم في سورة كاملة وهي سورة مريم ، وجاء ذكر السيدة «مريم ابنة عمران» في القرآن الكريم حوالي أربعة وثلاثين مرة وهى السيدة الوحيدة التي جاء اسمها بالتصريح وليس بالتلميح، كما هي عادة القرآن الكريم في ذكر سيرة النساء المؤمنات ويفسر لنا العلماء ذلك بأن قصة السيدة مريم ليست كغيرها من القصص التي يمكن تكرارها أو حدوثها مرة أخرى بل هي تعتبر من الخوارق التي لا تحدث على مر الزمان إلا مرة واحدة وهى أيضا من المعجزات التي لا تتكرر.
وتذكر كتب التفاسير أن اسم مريم لم يكن شائعا في ذلك الوقت وقد اختارته السيدة حنة لابنتها لأنه يعنى في لغتهم «العابدة أو الخادمة» ويأتي اسمها متماشيا مع ما نوته تلك الأم المؤمنة من نذر ما في بطنها لله.
ويشير الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إلى أن آل عمران أسرة مختارة ومفضلة مع من فضلهم الله سبحانه وتعالى على العالمين وقد اختار المولى عز وجل هذه السلسلة من بني آدم لرسالاته وحمل لواء دينه ،لإخلاص هذه الفئة بعينها في تبليغ شريعة ربها ولأنهم كانوا خالصين من الصفات الذميمة مزينين بالصفات الحميدة، التي تليق بما اختيروا له من هداية البشر إلى طريق الحق والنور والوحدانية.
ومريم هي من آل عمران، فهي من عائلة كريمة في النسب والدين عظيمة في الخلق لا يمكن لقادح أن يتعرض لها بسوء، وقد أكدت لنا الآيات الكريمة هذا المعنى المقصود من الطهر والعفاف فيقول تعالى (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).
ووالدة السيدة مريم هي السيدة «حنة بنت فاقود» تلك السيدة المؤمنة التي حملت في أحشائها الطاهرة من ستصبح فيما بعد سيدة نساء العالمين، وحملت بها بعد طول انتظار ولما جاءت أنثى صممت هذه السيدة المؤمنة أن تفي بنذرها وتنجز بوعدها.
وبمجرد أن استراحت الأم من عناء الولادة وآثارها وأرضعت ابنتها مرات معدودة ، لفتها في خرقة أي قطعة من القماش وأخذتها إلى بيت المقدس ووضعتها بين يد الأحبار ليروا فيها رأيهم ،وكان الأحبار في ذلك الوقت هم من أحفاد وأبناء هارون أخو موسى عليهما السلام.
وكان لهم الإشراف على بيت المقدس وما إن رأى الأحبار هذه الوليدة الصغيرة حتى هالهم ما رأوا من جمالها وقبولها ومالت قلوبهم نحوها وتنافسوا على كفالتها خاصة وهى ابنة عمران خيرة أحبارهم تقى وصلاحا.
وكان من بين الأحبار المتنافسين زوج خالتها زكريا عليه السلام وكان نبي ذلك الزمان، وقال لهم سيدنا زكريا عليه السلام أنا أحق بها لأن خالتها عندي وذلك لأن الخالة ـ كما ورد في الحديث بمنزلة الأم ـ فأبوا وطلبوا الاقتراع عليها وقالوا نطرح أقلامنا في النهر الجاري وقيل أنه كان نهر الأردن فمن صعد قلمه فوق الماء فهو أحق بكفالة مريم.
ففعلوا ذلك فارتفع قلم زكريا عليه السلام فوق الماء وغطست أقلامهم ، فأخذها زكريا وكفلها وضمها إلى خالتها واسترضع لها ورعاها هو وزوجته التي تعرف باسم «أشياع».
وهنا يشرح لنا النص القرآني الكريم وهو يخاطب سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فيقول رب العالمين في سورة آل عمران : «ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون».
مرت السنون وكبرت مريم وبلغت مبلغ الشباب، فأخذها زوج خالتها سيدنا زكريا عليه السلام إلى بيت المقدس حيث يكتمل الوعد وينجز وعد السيدة حنة أم مريم التي لا تذكر لنا كتب التفاسير عنها شيئا بعدما كبرت ابنتها، بل ويرجح البعض أنها ماتت قبل أن ترى ابنتها وهى يافعة.
وتهيأ لمريم الفتاه غرفة صغيرة ملحقة ببيت المقدس بنيت لها خصيصا، لها سلم ربما يكون سلما خشبيا بناه لها نبي الله زكريا الذي عرف عنه أنه كان نجارا.
وبدأت مريم في غرفتها هذه تخلو لنفسها وتنقطع للعبادة والتأمل وكانت تقوم في خدمة بيت المقدس، فتنظفه وتطهره وتهيئه للعابدين والعاكفين وما إن تنتهي من عملها حتى تتجه إلى غرفتها وتعتزل الناس وتتوجه إلى الله في خشوع وتضرع وكانت أغلب عبادتها الصلاة وكانت تقيمها بخضوع وتأن لله عز وجل وكانت تتبع صلواتها بالدعاء والابتهال إلى الله الخالق الرازق الوهاب.
ذاعت شهرة مريم في بني إسرائيل، وضرب المثل بتقواها وصلاحها، وتمنى كثير من الصالحين أن تربى بناتهن وتنشأ مثلما نشأت مريم.
واعتاد سيدنا زكريا عليه السلام أن يحمل إلى مريم في خلوتها تكريما لها الطعام كل يوم ، وبعد مدة لاحظ أنه كلما عاد إليها وجد عجبا.. كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء! وفاكهة الشتاء في الصيف! فتعجب من ذلك.. انه لم يحضر لها تلك الفاكهة ولا أحد يدخل عليها المحراب فمن يأتي لها بهذه الفاكهة فسألها: «يا مريم أنى لك هذا؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب». وفى هذه اللحظات وبعد أن رأى سيدنا زكريا من يقين مريم بربها هذه الدرجة وتلك الثقة أحيا الأمل في نفسه أن يكون له ولد صالح حتى وان كان قد بلغه الكبر!
ولم تكن مصادفة أن يأتينا النص القرآني بدعاء سيدنا زكريا في سورة تسمى بسورة مريم... وما ذلك إلا توضيحا وشرحا لهذا الموقف!
فيقول جل من قال (كهيعص ذكر رحمت ربك عبده زكريا، إذ نادى ربه نداء خفيا، قال رب اني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، واني خفت الموالى من وراءى وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا).
وهنا جاء الرد الإلهي لعبده الذي لم يقطع رجاءه في الله عز وجل ولم يتبع سياسة النفس القصير بأن دعا الدعوة مرة واحدة أو مرتين ثم يأس من إجابة الدعاء ولم يعدها الثالثة ! بل إن النص القرآني يشرح لنا أن الداعي دب الشيب في رأسه حتى اشتعل ووهنت عظامه من شدة كبره وامرأته عاقرا!
ومع كل هذه العوائق رد عليه ربه قائلا: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا، قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا، قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا).
وكذلك نجد أن إجابة الدعاء هي عهد باق ودائم أبد الدهر من رب العالمين، فعن أبى هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(يتنزل ربنا، تبارك وتعالى ، كل ليلة إلى سماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول من يدعوني فأستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) وفى رواية لمسلم زيادة «فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر».
وتتوالى معجزات رب العالمين على هذه الفئة التي اختارها الله عز وجل لتبليغ رسالته فتتنزل الملائكة على مريم في خلوتها تبشرها وتشد من أزرها لإخلاصها في العبادة وتفرغها في الصلاة والدعاء بقلب صادق لا يتعلق بالدنيا ولا بزخرفها فتقول لها: (يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين).
ولاشك أن هذا الاختيار والتطهير كان إعدادا لأمر عظيم أدهش الدنيا وبهر الناس.
وبينما مريم تخرج من محرابها ،وسارت جهة الشرق من بيت المقدس وبينما هي في سيرها فاجأها سيدنا جبريل عليه السلام في صورة رجل حسن الصورة جميل الوجه، فلما رأته فزعت منه واضطربت ويأتي النص القرآني ليفصل لنا هذه الآيات في سورة مريم فيقول: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا.
قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ، قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا، قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا).
حملت مريم بوليدها وبدأت علامات الحمل تظهر عليها وتناثرت أقوال خبيثة تطعن فيها فتوارت عن الناس في مكان بعيد لا يراها فيه أحد وجاءتها آلام الوضع فلجأت إلى جذع نخلة حتى تضع مولودها، وقلت وهى تعانى الأم المخاض: (يا ليتني مت قبل هذا، وكنت نسيا منسيا).
لكن الله خفف عنها ما تشعر به من كرب وحزن بولادتها مولودا من غير أب، وبما تعانيه من ضعف ووهن بعد الوضع، فناداها جبريل عليه السلام: (ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا، وهزي إليك بجذع نخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلى واشربي، وقري عينا، فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا).
وتستسلم مريم لأمر الله كما هي عادة الصالحين والمؤمنين بالله وتبدأ بالاستعداد لرعاية هذا النور الذي أتاها وهذا المولود الذي من الله به على بني إسرائيل ليحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويرفع عنهم بعض العقوبات التي فرضها الله عليهم وتتوقف قصة السيدة مريم عند قول الله عز وجل (فأشارت إليه).
وهنا ينطق المسيح عليه السلام مبرئا لأمه، مبينا لرسالته وتتوقف الآيات عن الكلام عن السيدة مريم تماما ويبدأ الكلام عن المسيح عليه السلام وقصته مع بني إسرائيل وما لقيه منهم.
فقد أدت السيدة مريم دورها العظيم في التاريخ وأي دور!
وقد نتعجب للوهلة الأولى مع ما حدث للسيدة مريم لتأتينا الإجابة واضحة بأن الله يخلق ما يشاء... فقد خلق الله آدم من غير أب ولا أم، وخلقت حواء من ضلع آدم ومن غير أم، وها هو عيسى يخلق من أم ومن غير أب لتكتمل دائرة الإعجاز، ويعلم الناس أن الله يخلق بالأسباب، ويخلق دون حاجة للأسباب، فهو سبحانه وتعالى خالق الأسباب والمسببات.
وبدأت مريم الصديقة ترعى ابنها وتهيئه للنبوة وتعلمه وتحنو عليه وبدأت مرحلة جديدة من حياتها، مرحلة الأمومة والعطاء ألا وهو أعظم الأدوار في هذه الحياة الدنيا.
ولقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلا بالسيدة مريم في الإيمان فيقول عنها في سورة التحريم: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكانت من القانتين).
لم تعش السيدة مريم إلا خمس سنوات بعد رفع ابنها عيسى عليه السلام ماتت بعد أن ضربت لنا مثالا رائعا ودرسا جميلا في الانقياد لقدر الله والاستسلام لمشيئته سبحانه وتعالى والثبات على الإيمان في العسر.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (سيدات أهل الجنة أربع السيدة مريم ابنة عمران، والسيدة فاطمة بنت محمد والسيدة خديجة بنت خويلد، وامرأة فرعون آسيا بنت مزاحم).
خير نساء العالمين
مريم بنت عمران، إنها ام سيدنا عيسي عليه الصلاة والسلام والتي وصفها القرآن الكريم بأنها خير نساء العالمين وسميت باسمها سورة كاملة فيه وهي – سورة مريم وقال عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم سيدة نساء بني اسرائيل. أمها «حنة ، وقد ولدتها بعد حرمان طويل فنذرتها لله تعالى وعندما ولدتها قدمتها لرجال الدين في بيت المقدس وجدير بالذكر أن خدمة بيت المقدس لم تكن الا للذكور فقط ولكنهم رضوا بها لأنها ابنة إمامهم عمران ، وكفلها
زكر&<740;ا ، لأنه زوج خالتها فبنى لها محرابا في بيت المقدس يتم الصعود إليه بسلم وكان إذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب وعندما كبرت كان إذا دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا لايشبه أرزاق الدنيا فيسألها من أين لها هذا. فتقول من عند الله .
ولقد نشأت مريم نشأة طيبة تحت رعاية زكريا، وعرف الناس عنها النقاء والطهر فقد عاشت للتعبد والاخلاص لله تعالى وتمنت أن يكون لها مكان بعيد خاص بها تنصرف فيه الي عبادة ربها فاستجاب الله لها فانفتح السقف وخرجت منه الي مكان وراء الجبل شرق بيت المقدس حيث أرسل الله لها ملكاً في صورة انسان تام الخلق جميل الصورة حتي لا تنفر منه وخافت مريم علي نفسها منه فاستعاذت بالله قالت : إني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا ” قال : إنما انا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً . سورة مريم .
وتستغرب مريم الامر وإن كانت لا تشك لحظة بقدرة الله تعالي ولكنها تعلم أن الحمل لا يكون من دون زواج ويجيبها الملك إجابة ترضي عنها وهي المؤمنة فقال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة وكان أمرا مقضيا مر&<740;م/&<778;&<777; وهكذا حملت مريم ليس كسائر النساء بولد ليس كسائر الرجال، وما علم أحد بحملها إلا يوسف ابن عمها وخطيبها الذي صدقها لما عرفه عنها من صلاح وتقوى وكتم أمرها حتى إذا ما اقترب موعد ولادتها حملها يوسف النجار على حماره وانطلق بها قريبا من ارض مصر وفي الصحراء كان هناك جذع نخلة جافة ليس لها رأس ولا ثمر فاستندت مريم إليه حتى أتتها آلام الولادة .
واكتملت المعجزة التي خففت عنها الامها وخوفها وجوعها وعطشها إذ نادها من تحتها أن تهز بجذع النخلة فيسقط عليها رطبا جنيا وانفجر في الصحراء نبع يسقيها حتى تمت ولادة عيسى عليه السلام الذي كان يحمل دليل براءتها فالتجأت به الى غار ولبثت معه أربعين يوما ثم عادت به تحمله الى قومها وقد كلمها عيسى في الطريق قائلاً يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على قومها غضبوا منها واستنكروا حملها وهي الطاهرة العفيفة ومن نسل عفيف فما كان من مريم إلا أن التزمت بأمر ربها ممتنعة عن الكلام مشيرة الى طفلها عيسى الذي تحمله فاستغربوا منها ذلك إذ كيف يتحدثون مع طفل ويصور القرآن الكريم هذا الموقف تصويرا دقيقا فيوضح كيف أنطق الله الوليد الصغير حجة وبرهانا على براءة أمه الطاهرة وعلى اختياره من البشر ليكون النبي الذي يهدي البشرية وينقذها من الضياع فقد كانت قدرة الله تعالى غير عاجزة عن إخفاء معجزات سيدنا عيسى عليه السلام حتى يصل إلى السن الذي يدافع فيه عن دعوته ولكن أنطقه الله رضيعا وكشف عن أكبر دليل على نبوته تكريما لمريم وحفظا لها وتاكيدا لعفتها وطهارتها .
تلك هي مريم أم سيدنا عيسى عليه السلام التي ما مسها ولا ابنها شيطان قط بفضل دعاء أمها وهي تضعها إذ قالت «وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ال عمران / 39 هذه هي مريم التي فضلها الله تعالى على سائر ئساء العالمين أجمعين وسماها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم . ” سيدة نساء بني اسرائيل، فقد عاشت سنداً وداعية لدين ولدها المسيح الذي جاء به لينقذ اهله من النار وقد وضعها القرآن الكريم في الميزان الصحيح، خير نساء العالمين وام المسيح عيسي ابن مريم عليه وعلي نبينا السلام، صاحبة القلب النقي الطاهر وموقع أعظم المعجزات .