تستعيد المناطق التاريخية الإسلامية في مصر ألقها خلال شهر رمضان المبارك، وتنشط فيها الحياة، من خلال الإقبال الكبير عليها طيلة ليالي الشهر المبارك، سواء من السكان المحليين أو من الزائرين من العرب والأجانب، الراغبين في استنشاق عبق تاريخ الحضارة الإسلامية، وتتبع قصصها ورواياتها الملهمة.
وقال المؤرخ المصري محمد الشافعي، لوكالة الأنباء القطرية “قنا”: إن المناطق التاريخية في مصر، وخصوصاً الإسلامية، تشهد خلال شهر رمضان إقبالاً كبيراً سواء من المصريين أو من العرب والأجانب، وذلك لما تشهده هذه المناطق من أجواء مميزة تنقل زائريها إلى أحضان التاريخ العريق للحضارة الإسلامية، لا سيما مدينة القاهرة التاريخية التي تستقبل تجمعات حاشدة في مناطق السيدة زينب، والسيدة نفيسة، والحسين، والأزهر، والقلعة، وشارع المعز لدين الله.
وأضاف أن المساجد التاريخية في مدينة القاهرة هي التي صنعت هذه الأجواء المميزة في محيطها، حيث تستقبل أعداداً كبيرة من المصلين، ليس فقط من داخل هذه المدينة العريقة، وإنما من مختلف أنحاء البلاد، وذلك بدءاً من صلاة المغرب وتناول الإفطار، مروراً بصلاتي العشاء والتراويح، ووصولا لتناول وجبة السحور، حيث يتوافد المصلون للاستمتاع بالأصوات المميزة لكبار المقرئين المصريين، مثل المشايخ محمد رفعت، ومصطفى إسماعيل، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد، إلى جانب كبار المنشدين الذين تغنوا بفضائل شهر رمضان المبارك، مثل سيد النقشبندي ونصر الدين طوبار.
وفي ذات السياق، قال الدكتور محمد أحمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة المصرية: إن الأجواء الرمضانية التي تشهدها المناطق التاريخية في مصر، تعكس ثراء وتميزاً في الموروث الثقافي للبلاد على مر العصور، لا سيما في مناطق مدينة القاهرة التاريخية مثل خان الخليلي، والقلعة، والأزهر، والحسين، وشارع المعز لدين الله، والذي يعد بمثابة متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم، حيث يوجد به 32 أثراً إسلامياً.
وأضاف أن الإقبال الكبير على المناطق التاريخية خلال شهر رمضان المبارك سببه احتضانها آثاراً إسلامية مهمة على مدار التاريخ تقدر بحوالي 622 أثرا، مشيراً إلى أن هذا الإقبال المميز الذي يتجدد كل عام خلال شهر رمضان المبارك فرصة لتحقيق الاستفادة القصوى من الدور الثقافي والتنويري لتلك الآثار وتسليط الضوء عليها، بالإضافة إلى الاستفادة من كونها ثروة حقيقية في شقها الاقتصادي، وتنشيط السياحة الدينية.
مشيراً إلى أن الأجواء المميزة في مدينة القاهرة التاريخية لا تجذب السكان المدينة فقط، بل تجذب الزوار من مختلف أنحاء البلاد لقضاء اليوم بأكمله والاستمتاع بهذه الأجواء منذ وقت الإفطار وبعد صلاة التراويح، كما أن الأمر لا يقتصر أيضاً على المناطق التاريخية في القاهرة، وإنما أيضاً يشمل مناطق أخرى في مصر، ومن أشهرها ساحة مسجد المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية.
وحول بدايات هذه التجمعات في المناطق التاريخية في مصر، قال الدكتور سعيد حلمي خبير الآثار ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية المصري السابق، لوكالة الأنباء القطرية “قنا”: إن عصر الدولة الفاطمية كان من أبرز العصور التي استحدثت فيها الاحتفالات الخاصة بشهر رمضان، والتي ارتبطت بفكرة التجمعات في محيط المساجد التاريخية، وشملت كذلك إدخال صناعة الحلوى من القطائف والكنافة إلى مصر، لتصبح من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك حتى الآن، مشيراً إلى أن الطابع الخاص والمميز لأجواء الشهر الفضيل في المناطق التاريخية ما زال على موروثه القديم رغم بعض الاختلافات.
وأضاف أن هذه الأجواء التي تتمتع بها المناطق التاريخية في شهر رمضان المبارك تركزت بشكل خاص في مناطق مدينة القاهرة، قبل أن تمتد لباقي المساجد الكبرى في أنحاء البلاد، منوها بأن الاستمتاع بهذه الأجواء المميزة صاحبته خلفية تاريخية مهمة تتمثل في أمر أصدره أحمد ابن طولون مؤسس الدولة الطولونية في مصر، بشأن تخفيف عدد ساعات العمل خلال شهر رمضان المبارك، وذلك لمنح العمال والموظفين فرصة للراحة من مشقة العمل أثناء الصيام، والبدء في تجهيز فطورهم، والتمتع بالأجواء الروحانية في ليال الشهر الفضيل.
وأشار الدكتور سعيد حلمي، إلى أن الأمر الصادر من أحمد ابن طولون، تعود قصته إلى مروره ذات يوم على مجموعة من العمال ما زالوا في أشغالهم بعد صلاة العصر خلال شهر رمضان المبارك، فسأل: متى يفطر هؤلاء ؟، ومن ثم أصدر أمره بانصراف العمال والموظفين قبل صلاة العصر، حيث ما زال هذا الأمر متبعاً حتى الآن في البلاد، وهو ما أسهم بدوره في منح هذا الزخم المهم سواء للأجواء الروحانية وأداء العبادات، أو للتنزه في المناطق التاريخية، وسط أجواء تسودها المودة والألفة خلال شهر رمضان المبارك.