بعد انتهاء الحرب في لبنان، باتت غزة تواجه مصيرها بمفردها وسط تصاعد الأزمات الإنسانية والسياسية. في ظل غياب الدعم الإقليمي المباشر وضعف التفاعل الدولي، يعيش سكان القطاع في ظروف مأساوية بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر والانقسام الداخلي الفلسطيني. هذه الورقة التي وضعها مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية – لندن تناقش تداعيات الوضع الحالي على غزة، وما يترتب عليه من تحديات وفرص للدول العربية، وخاصة لبنان وسوريا.
1. الوضع الإنساني في غزة
غزة تعاني منذ سنوات من تدهور حاد في كافة مجالات الحياة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2007.
• البنية التحتية المدمرة: تأثرت البنية التحتية في القطاع بشدة نتيجة التصعيدات العسكرية المتكررة، مما أدى إلى انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية، مثل الكهرباء، والمياه، والرعاية الصحية.
• الفقر والبطالة: بلغت نسبة البطالة أرقامًا قياسية تجاوزت 45%، مع وصول معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يعتمد أكثر من 80% من السكان على المساعدات الإنسانية الدولية.
2. التداعيات السياسية
• عزلة غزة الإقليمية: مع انتهاء الحرب في لبنان وعودة التركيز العربي إلى التحديات الداخلية والإقليمية الأخرى، تُركت غزة في عزلة. غياب الحراك الدبلوماسي الفاعل للتعامل مع الحصار يزيد من تأزيم الموقف.
• ضعف الدعم العربي: التحولات الإقليمية والانقسامات السياسية بين الدول العربية جعلت القضية الفلسطينية تفقد مركزيتها التقليدية، ما أثر على قدرة غزة على مواجهة التحديات بمفردها.
مقارنة الوضع بين لبنان وغزة
الحرب في لبنان سلّطت الضوء على الفارق الكبير في التفاعل الإقليمي والدولي مع أزمات الشعوب العربية:
• الدعم السياسي والإعلامي للبنان: حصل لبنان على اهتمام ودعم مكثف خلال الحرب وبعدها، بما في ذلك مساعدات إنسانية وجهود دولية لإعادة الإعمار.
• الإهمال النسبي لغزة: في المقابل، تُركت غزة تحت وطأة الحصار والانقسام، وسط غياب رؤية استراتيجية لإنهاء الأزمات التي تواجهها.
الدور اللبناني والسوري
• لبنان: يمكن للبنان أن يلعب دورًا حيويًا في دعم القضية الفلسطينية، خاصة عبر رفع الصوت السياسي والإعلامي لصالح إنهاء الحصار على غزة، وتعزيز جهود المصالحة الفلسطينية.
• سوريا: مع عودة سوريا التدريجية إلى المشهد الإقليمي وتطورات الموقف بها وتواصل سقوط المدن المركزية بها في يد الثوار والمتمردين العسكريين ، بات واضحا أن الاهتمام انصرف عن غزة بصورة واضحة.
التحديات التي تواجه غزة وحدها
1. انعدام الأفق السياسي: عدم وجود حلول واضحة لإنهاء الحصار وتحقيق الوحدة الفلسطينية يجعل غزة تعيش في حالة من الجمود السياسي.
2. التصعيد العسكري المحتمل: مع تصاعد التوترات الإقليمية، تظل غزة مهددة بمزيد من الحروب الإسرائيلية التي تفاقم من معاناة السكان.
3. الاستنزاف الداخلي: استمرار الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية يُضعف من قدرة الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بفعالية.
الفرص الممكنة
رغم التحديات، فإن هناك فرصًا يمكن الاستفادة منها:
1. تحفيز التضامن العربي: إنهاء الحرب في لبنان قد يُعيد فتح الباب أمام تعاون إقليمي لدعم القضية الفلسطينية.
2. تعزيز المقاومة السلمية: يمكن لغزة الاستفادة من زخم الحراك العالمي المتضامن مع حقوق الإنسان لتسليط الضوء على معاناة سكانها.
3. إعادة بناء الوحدة الوطنية: التصالح بين الفصائل الفلسطينية سيعيد غزة إلى المشهد السياسي الإقليمي بقوة.
خاتمة
ترك غزة وحيدة في مواجهة أزماتها يمثل خطرًا ليس فقط على سكان القطاع، بل على القضية الفلسطينية ككل. مع انتهاء الحرب في لبنان، يجب على الدول العربية، وخاصة لبنان وسوريا، تعزيز الجهود لدعم غزة وإنهاء حصارها. تحتاج هذه المرحلة إلى تحرك جماعي يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في أولويات العالم العربي.
|