قلّما تجد من يختار أن يغامر بنفسه بعيدًا عن موانئ الراحة، ليغوص في أعماق تحديات جديدة، وتلك هي حال بلال، الذي لم يكتفِ بما أنجزه في سنواته الأولى بعد التخرج، بل اختار أن يواجه المجهول، بعد إتمام دراسته في إحدى الجامعات الخليجية، كانت أمامه الفرصة للانتقال إلى دولة آسيوية لإدارة مؤسسة خيرية، لم يكن هذا الانتقال مجرد خطوة جغرافية في حياته، بل كان انتقالًا إلى مساحة أوسع من المسؤولية والفكر، حيث كانت العوائق أكثر من الحلول.
في البداية، وجد بلال نفسه يعمل ضمن مؤسسة قديمة أرهقتها السنوات، بل وتهاوت تحت وطأة التحديات الإدارية؛ غياب الرؤية، وافتقار التناغم بين أفراد الفريق، مما شكل له عائقًا إضافيًا في طريقه، كان أمامه خياران: إما أن يرضخ لواقعه ويستسلم للظروف، أو أن يتبنى دورًا رائدًا في التغيير، وبحكمته وفطنته، اختار بلال الطريق الأصعب، بل هو الطريق الأكثر شجاعة، وهو أن يبدأ من جديد.
“القيادة الصحيحة تجمع بين حُسن التدبير ودقة التنفيذ، فهي فنٌ لا يتقنه إلا من عرف الرجال وعرف الأهداف.” هذا ما قاله العقاد، وهو ما جسده بلال بتأسيس مؤسسة جديدة، مستقلة، تتسم بالمرونة والفعالية، فقد كان يعي تمامًا أن نجاح المؤسسات لا يعتمد فقط على التسجيل الرسمي، بل على فريق عمل يتبنى الرؤية المشتركة ويؤمن برسالة المؤسسة، وعلى هذا الأساس اختار بلال بعناية فريقًا من ذوي الخبرة والكفاءة، بالتنسيق مع الإدارة العليا، لضمان تماسك الرؤية وتكامل الجهود في تحقيق الأهداف المشتركة، ليكونوا الركيزة الأساسية في بناء الهيكل الإداري الجديد الذي يعتمد على أسس مرنة وقوية تضمن استدامة النجاح.
ومع مرور الوقت، تحولت تلك المؤسسة التي كانت مجرد فكرة إلى صرحٍ عظيم في عالم العمل الخيري، فبفضل الرؤية الاستراتيجية الواضحة التي قاد بلال من خلالها فريقه، أصبحت المؤسسة رائدة في تنفيذ مشاريع ضخمة في مختلف مجالات الحياة، من التعليم وبناء المدارس، إلى الصحة والمستشفيات، وصولًا إلى الرعاية الاجتماعية، كما قال المسيري: “المؤسسة لا تقتصر على المباني والأنظمة، بل هي الروح التي تحملها الرسالة والتي يبثها القائد في قلوب العاملين.”
لم تقتصر إنجازات بلال على تنفيذ المشاريع، بل تعدت ذلك إلى إنشاء جيل من القادة الشباب القادرين على حمل راية العمل الخيري في مختلف بقاع الأرض، فبفضل فكر بلال الاستراتيجي وإدارته الحكيمة، أصبحت المؤسسة نموذجًا يحتذى به في الاستدامة والإدارة الرشيدة، مع تركيزه على بناء قيادات شابة تواصل تحقيق النجاح في المستقبل، فقد كانت مسيرة بلال نموذجًا لهذه الرؤية، حيث أرسى دعائم استدامة العمل الخيري وساهم مع فريق العمل في بناء جيلٍ جديد من القادة، لكن القصة لا تتوقف عند هذا الحد، فالإنجازات التي حققها بلال كانت أعمق من مجرد بناء مؤسسة ناجحة أو تنفيذ مشاريع ضخمة، لقد استطاع أن يبني أسسًا راسخة من القيم الإنسانية التي كان يزرعها في نفوس فريقه، مثل الانتماء والالتزام والتفاني في العمل، كان يعلم أن نجاح المؤسسة لا يتحقق إلا إذا كان هناك إيمان حقيقي من أفراد الفريق برسالتها وأهدافها، وكان دائمًا ما يُذكرهم بأنهم ليسوا مجرد موظفين، بل شركاء في صناعة التغيير.
إن قصة بلال ليست مجرد قصة نجاح مهني، بل هي تجسيد حقيقي للقيادة الحكيمة التي تنبع من رؤية واضحة، وفكر استراتيجي، وقدرة على اكتشاف وتوظيف الكفاءات، إن البصمة التي تركها بلال لا تتمثل فقط في نجاح المشاريع التي قادها، ولكن في بناء بيئة عمل ملهمة تستند إلى القيم الإنسانية، مما يعكس أثره العميق في تحسين الحياة في المجتمعات التي خدمها، في النهاية، تبقى رحلة بلال مثالًا حيًا على أن القيادة الحقيقية لا تأتي من المناصب، بل من القدوة والإيمان العميق بالقيم والمبادئ، إن ما فعله بلال سيظل شاهدًا على أن القيادة الرشيدة هي التي تبني الأجيال، وتترك إرثًا من الأثر الإيجابي المستدام.