يرفع الشعب الطاجيكي أعلامه في التاسع من سبتمبر من كل عام احتفالا بيوم الاستقلال، اليوم الذي شكل منعطفا حاسما في تاريخ هذا البلد الواقع في قلب آسيا الوسطى. فمنذ عام 1991، حين أعلنت طاجيكستان استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، بدأت مسيرة وطنية صعبة لإعادة تشكيل الدولة والمجتمع والاقتصاد.
وبين ركام الحرب الأهلية (1992–1997) وتعقيدات الانتقال السياسي والاقتصادي، استطاعت طاجيكستان خلال 34 عاما أن تتحول من دولة خارجة من صراع إلى دولة ذات استقرار متزايد، وذات أجندة تنموية واضحة، ومكانة إقليمية آخذة في الترسخ.
ولأن الكويت كانت ولاتزال شريكا وثيقا لطاجيكستان في التعاون الإنمائي والدبلوماسي، فإن قراءة قصة الاستقلال لاتكتمل من دون التوقف عند هذه العلاقة الثنائية التي تزداد عمقا ونضجا عاما بعدعام.
هذا التحقيق يتتبع مسيرة طاجيكستان منذ الاستقلال حتى الذكرى ال34 في 9 سبتمبر 2025، مستندا إلى بيانات وتحليلات رسمية، ومادة مرجعية تبرزالتحول الاقتصادي، ونهضة الطاقة، ورؤية التنمية الإستراتيجية حتى 2030، إلى جانب استعراض محطات العلاقات الكويتية–الطاجيكية، والتعاون الثقافي والسياحي، مع إبراز ملامح المعرض الدولي للسياحة المزمع استضافته في دوشنبه بوصفه خطوة عملية لإطلاق موجة جديدة من التعاون مع دول الخليج وفي مقدمتها الكويت.
الاستقلال حالة وعي
لم يكن إعلان الاستقلال في 9 سبتمبر 1991 حدثا بروتوكوليا فحسب، بل كان لحظة إعادة تعريف شاملة للذات الوطنية لدولة حديثة خرجت من بنية سياسية واقتصادية مركزية.
جاءت سنوات الحرب الأهلية قاسية، مهددة النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، إلا أن اتفاق السلام الوطني أرسى قاعدة صلبة لاستعادة السلم الأهلي وبناء المؤسسات.
في تلك المرحلة، تبلورت معادلة جديدة للحكم والإدارة، سعت إلى تثبيت الاستقرار وفتح مسارات تدريجية للإصلاح الاقتصادي وتحديث الخدمات العامة وإطلاق برامج البنية التحتية.
اليوم، ينظر الطاجيك إلى تلك السنوات بوصفها امتحانا تاريخيا أنتج وعيا جماعيا بأهمية الدولة الوطنية، وسيادة القانون، ووحدة الأرض ،والشعب.
اقتصاد مرن
من الهشاشة إلى معدلات نمو لافتة على المستوى الاقتصادي الكلي، تتقدم طاجيكستان منذ سنوات بمعدلات نمو تُعد من بين الأعلى في آسيا الوسطى.
فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي نموا قدره 8.4% في 2024، وحافظ الاقتصاد على 8.1% في الربع الثاني من 2025، وفق تقديرات المؤسسات الدولية. وتعكس هذه المؤشرات حصاد حزمة سياسات إصلاحية وهيكلية شملت تحسين بيئة الأعمال، وتحديث البنى التحتية، والتوسع في مشاريع الطاقة، وتفعيل أدوات التكامل الإقليمي.
طاقة تُدار كقوة ناعمة صلبة
في آن واحد تتمتع طاجيكستان بميزة نادرة تتمثل في وفرة الموارد المائية وقدرات الطاقة الكهرومائية، والتي تُقدر بنحو 527 مليار كيلوواط/ساعة سنويا كإمكانات نظرية، ما يضعها في مصاف الدول الأولى عالميا على صعيد الموارد المائية المولدة للكهرباء.
وقد شكل سد «نوراك» لعقود العمود الفقري لمنظومة الكهرباء، إذ يسهم بما يقارب 70% من الإنتاج الوطني.
ومع انطلاق مشروع محطة «راغون» الكهرومائية العملاقة، أخذت البلاد خطوة استراتيجية إضافية: فالمحطة ستضم ست توربينات بطاقة إجمالية تبلغ 3600 ميغاواط وتوليد سنوي متوقع يصل إلى 17 مليار كيلوواط/ساعة عند اكتمال المراحل التشغيلية، ما يعزز أمن الطاقة الداخلي ويتيح فائضا للتصدير.
لا تقف الاستراتيجية عند الطاقة الكهرومائية، بل تشمل أيضا تنويع المزيج عبر الطاقة الشمسية.
رؤية التنمية حتى 2030
وقاية وتصنيع وابتكار لا تُقاس التحولات الكبرى بالأرقام السنوية فقط، بل تُقرأ من خلال رؤية طويلة المدى. وفي حالة طاجيكستان، تُعتبر «استراتيجية التنمية الوطنية 2030» (nds‑2030) بمثابة خريطة طريق لترسيخ التحول الاقتصادي والاجتماعي.
ترتكز الاستراتيجية على ثلاثة أعمدة مترابطة: -
(1) الوقاية من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية عبر تنويع القاعدة الإنتاجية وتقوية شبكات الأمان. –
(2) التصنيع بوصفه المسار الأنجح لرفع القيمة المضافة وتقليص الاعتماد على المواد الخام. (3) الابتكار كرافعة لتسريع الإنتاجية وتحديث الخدمات والانتقال إلى الاقتصاد الرقمي.
البيئة والحوكمة
معيار الذهب للطاقة الكهرومائية برزت طاجيكستان في الأعوام الأخيرة بوصفها حالة معتبرة في ممارسات الاستدامة ضمن قطاع الطاقة المائية. فقد حصلت محطة «سيبزور» الكهرومائية في مارس 2023 على «الشهادة الذهبية» لأول معيار عالمي لاستدامة الطاقة الكهرومائية، وهو اعتراف يربط بين الأداء البيئي والاجتماعي والحوكمي (esg) والقدرة التشغيلية.
وتُشير هذه الخطوة إلى أن استغلال الموارد الطبيعية يمكن أن يتم ضمن معايير عالمية صارمة، وهو ما يمنح المشاريع الطاجيكية جاذبية أكبر أمام الممولين والشركاء الدوليين.
التجارة والشراكات...
تنويع مدروس وشبكات أوسع تتوسع شبكة العلاقات التجارية لطاجيكستان مع العالم بوتيرة مضطردة. فالصين تحتل مرتبة الشريك التجاري الأكبر، تليها روسيا ثم كازاخستان وأوزبكستان، مع حضور متزايد لتركيا وأطراف أوروبية.
وقد حقق الميزان التجاري فوائض مع دول مثل هولندا، ما يعكس حيوية في قنوات التصدير. أما على صعيد التركيب السلعي، فتتصدر المعادن والسلع الأولية الصادرات، لكن المخطط أن تتزايد مساهمة الصناعات التحويلية والخدمات المتقدمة تدريجيا مع تنفيذ برامج التصنيع وتعميق سلاسل القيمة.
الكويت وطاجيكستان
علاقة ثنائية تتجدد وتتعاظم على المسار الدبلوماسي والإنمائي، تمثل الكويت شريكا وثيقا لطاجيكستان منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية في 31 مارس 1995.
وقد شهدت العلاقات طفرة مهمة خلال زيارة الرئيس إمام علي رحمن إلى الكويت في نوفمبر 2024، حيث وُقِعت حزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم شملت الأمن والثقافة، والتعليم، والطاقة والسياحة.
وتُوج الزخم في فبراير 2025 باقتراح إنشاء صندوق استثماري مشترك لتمويل مشاريع استراتيجية في الطاقة المتجددة والبنية التحتية والزراعة والسياحة، بما يؤسس لمنصة تمويلية قادرة على تحويل التفاهمات إلى مشاريع ذات أثر ملموس.
ويحظى مسار التعاون بدعم مؤسسي متين، من خلال قنوات رسمية كويتية وطاجيكية، وتعاون مع مؤسسات تمويلية وتنموية ذات خبرة واسعة.
وتعكس هذه العلاقة إدراكا متبادلا لفرص التكامل، فطاجيكستان تُقدم موارد ومشروعات واعدة، في حين تمتلك الكويت خبرة تمويلية واستثمارية وقدرة على بناء شراكات إقليمية متوازنة. ثامنا: الثقافة والسياحة... جسور إنسانية وذاكرة مشتركة لا تنحصر العلاقة بين البلدين في لغة الأرقام والعقود، بل تمتد إلى الثقافة والإنسان.
فقد شهدت السنوات الأخيرة تنظيم فعاليات ثقافية طاجيكية في الكويت، ومشاركة كويتية في أنشطة أقيمت في دوشنبه ومدن أخرى، ما أتاح مساحات أوسع للتعارف بين الشعبين.
محطات في العلاقات الكويتية–الطاجيكية
• 31 مارس 1995: إقامة العلاقات الدبلوماسية رسميا.
• نوفمبر 2024: زيارة رئاسية للكويت واتفاقيات في الأمن، والثقافة، والتعليم، والطاقة.
• 2024: حزمة مذكرات تفاهم إضافية في السياحة والزراعة والاقتصاد.
• فبراير 2025: مقترح صندوق استثماري مشترك للطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والسياحة، والزراعة.
• تعاون إنمائي وتمويلي مؤسسي وتبادل وفود رفيعة.