يحل شهر رمضان الكريم على العاصمة البريطانية لندن بحلة جديدة لم تكن المدينة تشهدها من قبل، خاصة في العامين الأخيرين، حيث أصبحت إنارة الشوارع الرئيسية في قلب العاصمة بأضواء رمضان، وتنظيم سلسلة إفطارات مفتوحة في الساحات العامة والأماكن التاريخية والشهيرة في لندن وعدد من المدن الكبرى الأخرى، من المظاهر الثابتة في الشهر الكريم التي تجذب المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
كما شهد العام الماضي إنارة ميدان بيكاديللي في قلب العاصمة بأضواء رمضان، في سابقة تاريخية لم تشهدها لندن من قبل. 
وقال مسؤولو “مؤسسة عزيز”، مؤسسة خيرية تسعى لتحسين حياة المسلمين البريطانيين، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”: إن المؤسسة أعدت “أنوار رمضان” هذا العام بتصميمات جديدة، بالتعاون مع مؤسسة “هارت أوف لندن” الساعية لحماية وتعزيز الأنشطة الثقافية والتجارية في قلب العاصمة.
ويرى القائمون على مبادرة “أنوار رمضان” أنها باتت بمثابة تجربة رائعة بالنسبة لجميع المسلمين؛ لأنهم يرون دينهم يحتفى به في مجتمعهم ومن قبل المحيطين بهم، ما يعزز شعورهم بالانتماء.
وتمتد زينة وأنوار رمضان هذا العام لشارع “أوكسفورد” التجاري الشهير، وذلك لأول مرة في تاريخ المقصد التجاري الأهم في قلب لندن، فكما اعتاد سكان وسط العاصمة على مدار السنوات الماضية على زينة وأنوار عيد الميلاد وعيد الفصح خلال فصلي الشتاء والربيع تزين الشارع العريق، ستكون أنوار رمضان من بين المعالم الثابتة للشهر الكريم، حيث يحرص مرتادو الشارع من سكان المنطقة وعشرات آلاف السائحين الزائرين له يوميا على التقاط الصور للأنوار.
ومن السمات المميزة لرمضان في لندن وباقي مناطق المملكة المتحدة بشكل عام، برزت في السنوات الأخيرة موائد الإفطار الجماعي في أشهر ساحات لندن ومبانيها التاريخية وأنديتها الرياضية، فقد استضافت أماكن بارزة سلسلة إفطارات جماعية للمسلمين والمجتمعات المحلية من تنظيم مؤسسة “خيمة رمضان” الخيرية للاحتفاء بحلول الشهر الكريم ومشاركة المسلمين طقوسهم.
كما حاز الإفطار المفتوح الذي نظمته المؤسسة العام الماضي في عدد من أبرز الأماكن مثل ملعب نادي تشيلسي اللندني ومتحف “فيكتوريا وألبرت” إعجاب وتقدير الجميع، وقال مسؤولو المؤسسة إنها ستنظم هذا العام سلسلة إفطارات عامة في ملاعب أندية عريقة مثل ملعب الاتحاد التابع لنادي “مانشستر سيتي” بمدينة مانشستر، وملعب “فيلا بارك” التابع لنادي “أستون فيلا” بمدينة برمنجهام وسط إنجلترا، وملعب نادي “بلاكبيرن روفرز” في مدينة بلاكبيرن ونادي “برينفتورد” بالقرب من لندن.
وفضلاً عن تنظيم الإفطارات في ملاعب الأندية العريقة، أعلنت المؤسسة، التي تعنى بجمع المجتمعات المحلية معا وتطوير مفهوم رمضان، عن تنظيم عدد من الإفطارات المفتوحة في أماكن مهمة أخرى، مثل كلية “كينجز كوليدج” التابعة لجامعة كامبريدج العريقة، ومركز”باتارسيه” للفنون في لندن، ومتحف مدينة “شيفيلد”.
ونظراً للإقبال الشديد في الأعوام الماضية من قبل آلاف المسلمين وغيرهم على الإفطار المفتوح، أصبح حضور الإفطارات عن طريق إجراء قرعة قبيل بدء شهر رمضان لحجز الأماكن، حيث تنفد جميع بطاقات الحضور فور طرحها على الإنترنت رغم تعدد الأماكن الإفطارات والأيام التي تقام فيها.
وتتميز سلسلة الإفطارات المفتوحة بأجواء رمضانية مميزة، حيث يضفي صوت الأذان إيذانا بحلول موعد الإفطار لآلاف الصائمين من المجتمع المسلم الذين توافدوا على هذه الأماكن جوا روحانيا غير مسبوق، ويجلس المفطرون من مختلف الأعمار على أرضية الملاعب الخضراء وفي المدرجات، وفي قاعات كبيرة بالمتاحف والمعارض الفنية والمسارح التاريخية يتناولون العصائر وطعام الإفطار في جو رمضاني احتفالي بهيج، وبعد تناول وجبة الإفطار، يؤدي جموع المصلين صلاتي العشاء والتراويح داخل أروقة النادي أو المتحف بعد رفع الأذان، في مشهد روحاني غير مسبوق في هذه الأماكن ببريطانيا.
ومن أبرز الأجواء الرمضانية، التي يحرص عليها مسلمو لندن على وجه الخصوص، تناول الإفطار في شارع “إدجوار رود”، أو ما يعرف بـ “شارع العرب”، في قلب العاصمة، فالشارع يصبح قبلة للمسلمين من جميع أنحاء العاصمة، حيث يمتلئ بالمطاعم الحلال التي تغص بالصائمين في أمسيات رمضان.
وشارع “إدجوار رود” واحد من أهم المعالم السياحية للمسلمين والصائمين، ويعكس تنوع سكان لندن وخلفياتهم الحضارية، لا سيما الحضارة الإسلامية، ففي هذا الشارع تجد تنوعا في الأطعمة، حتى إن العديد من المطاعم المنتشرة هناك تقدم وجبات مجانية خلال الشهر الكريم، فهي لا تهدف فقط لتقديم الطعام إلى الصائمين والمحتاجين، بل أيضا لتعريف المجتمعات الغربية بأطعمة مختلفة من البلدان العربية والإسلامية.
وتختلف أجواء شهر رمضان في بريطانيا عن بقية الدول الأوروبية؛ ذلك أن الجاليات المسلمة عموما والعربية تحديدا كبيرة ومتنوعة، ففي لندن، على سبيل المثال، يمكنك تناول وجبة الإفطار في مطعم أفغاني أو باكستاني، ومن ثم تصلي في مسجد تابع للجالية العربية، وبعدها تتناول وجبة السحور في مطاعم تركية أو شامية.
وعلى غرار شارع العرب، تزدان الشوارع التي يقطنها أعداد كبيرة من المسلمين في أحياء العاصمة والمدن الأخرى مثل بيرمنجهام ومانشستر، بزينة شهر رمضان، وتقوم بتنظيم فعاليات أسواق رمضان، حيث تنتشر بعض العربات الملونة المتخصصة ببيع المنتجات الرمضانية، ومنها الأطعمة والحلويات، فضلاً عن العصائر من كافة الدول العربية، والفوانيس التي يقتنيها الأطفال.
وتستبق كبرى الشركات شهر رمضان بمعارض منتجات ضخمة تستهدف توفير حاجيات نحو أربعة ملايين مسلم في بريطانيا، ومن أبرز تلك الفعاليات “مهرجان تسوق المسلمين في لندن”، الذي يعقد في منطقة المعارض الكبرى “إكسيل” شرقي المدينة، ويقول منظموه إنه أكبر فعالية تسوق رمضاني في العالم، ويشمل المهرجان كافة المنتجات التي يحتاجها المسلمون في بريطانيا، بدءا من الأطعمة الحلال وتلك المميزة لشهر رمضان، وحتى الملابس والأزياء والحلي وألعاب الأطفال والزينة، ويفد إلى المهرجان عارضون وشركات من جميع أنحاء العالم، خاصة الدول الإسلامية، لعرض منتجاتهم.
وأبدى كثيرون من زائري المهرجان، في حديث لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، إعجابهم الكبير بكل أوجه المعرض، الذين يرون فيه أنه ليس فقط مكانا لتوفير احتياجات المسلمين في بريطانيا، وإنما أيضا منبرا يعبر عن ثقافتهم بشكل إيجابي، ولفت زوار المهرجان إلى أن مثل هذه المهرجانات هو ما يحتاجه المسلمون في شهر رمضان للحصول على جميع احتياجاتهم من مكان واحد.
وباتت إعلانات الأطعمة الخاصة بشهر رمضان تجد طريقها في السنوات الأخيرة لشاشات المحطات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، فأحد أكبر المحلات التجارية في بريطانيا بدأ بث حملة إعلانات تظهر فيه عائلة مسلمة تعد طعام الإفطار، وذلك في ظل تزايد اهتمام أكبر المتاجر باستقطاب أعداد كبيرة من الزبائن المسلمين في الشهر الكريم، وبدأت سلاسل المحلات التجارية الكبرى في السنوات الأخيرة التوسع في توفير المنتجات الحلال وعرضها بأسعار مخفضة.
وعلى الرغم من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في المدن البريطانية، فإن العديد من أفراد الجالية المسلمة في بريطانيا أكدوا، في حديثهم مع وكالة الأنباء القطرية “قنا”، على عدم قدرتهم على مواكبة غلاء الأسعار في البلاد على مدار العامين الماضيين، وذلك مع ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من أربعة عقود، وباتت نسبة ليست بالقليلة من المسلمين، شأنهم شأن شريحة كبيرة من البريطانيين، تشعر بهاجس عدم القدرة على تحمل تكاليف المعيشة في ظل ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والغاز والكهرباء.
ويقول عدد منهم إنهم لا يستطيعون التوقف عن ممارسة طقوس شهر رمضان رغم استمرار أزمة غلاء المعيشة التي تمر بها البلاد، فهم ينوون الاعتماد في وجبات الإفطار على الأطباق النباتية الأقل كلفة حتى يتمكنوا من استضافة أقاربهم وأصدقائهم كما اعتادوا دائماً.