يذخر التاريخ الإسلامي بشخصيات مؤثرة، بداية من خير البشرية محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، مروراً بالصحابة الأخيار أبو بوبكر الصديق وعمر بن الخطات وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، وصحابة روسل الله الأخيار، مروراً بالسلف الصالح عمر بن العزيز والائمة الأربعة أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن محمد بن حنبل، ولم يخل العصر الحديث من هؤلاء المؤثرين ومنهم على سبيل المثال عبد الرحمن السميط ومحمد متولي الشعراوي وغيرهم ...
 

- فتح باب الأزهر واسعًا أمام الطلاب الوافدين من الوطن الإسلامي وخارجه
- تمَّ اختيار فضيلته رئيسًا للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة
- صدر لفضيلته من خلال الأزهر الشريف خمسة أجزاء من فتاويه جمعت في حياته 
- كان حريصًا على الدفاع عن علماء الأزهر الشريف وإبراز الوجه المشرق لهم

 
 
ولد الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق يوم الخميس 13 من جمادى الآخرة عام 1335هـ الموافق 5 من إبريل عام 1917م ببلدة بطرة مركز طلخا محافظة الدقهلية في أسرة صالحة فحفظ القرآن الكريم وجوَّده وتعلَّم القراءة والكتابة في كُتَّاب القرية على يد شيخها الراحل سيد البهنساوي، ثم التحق بالجامع الأحمدي بطنطا في سنة 1930م، واستمر فيه حتى حصل على الشهادة الابتدائية سنة 1934م، وواصل فيه بعض دراسته الثانوية، ثم استكملها بمعهد القاهرة الأزهري حيث حصل على الشهادة الثانوية سنة 1939م، بعدها التحق بكلية الشريعة الإسلامية، وحصل منها على الشهادة العَالِمية سنة 1363هـ/1943م، ثم التحق بتخصص القضاء الشرعي في هذه الكلية، وحصل منها على الشهادة العَالِمية مع الإجازة في القضاء الشرعي سنة 1945م.
مناصبــه:
عُيِّن فور تخرجه موظفًا بالمحاكم الشرعية في 26 من يناير سنة 1946م، ثم أمينًا للفتوى بدار الإفتاء المصرية بدرجة موظف قضائي في 29 من أغسطس سنة 1953م، ثم قاضيًا في المحاكم الشرعية في 26 من أغسطس 1954م، ثم قاضيًا بالمحاكم من أول يناير سنة 1956م بعد إلغاء المحاكم الشرعية، ثم رئيسًا بالمحكمة في 26 من ديسمبر سنة 1971م، وعَمِلَ مُفتشًا قضائيًّا بالتفتيش القضائي بوزارة العدل في أكتوبر سنة 1974م، ثم مستشارًا بمحاكم الاستئناف في 9 من مارس سنة 1976م، ثم مفتشًا أول بالتفتيش القضائي بوزارة العدل.
تقلده لمنصب الإفتاء:
عُيِّن مفتيًا للديار المصرية في 22 من رمضان سنة 1398هـ الموافق 26 من أغسطس سنة 1978م، وقد كرَّس كل وقته وجهده في تنظيم العمل بدار الإفتاء وتدوين كل ما يصدر عن الدار من فتاوى في تنظيم دقيق حتى يسهل الاطلاع على أي فتوى في أقصر وقت. كما توَّج عمله بإخراج الفتاوى التي صدرت عن دار الإفتاء في عهوده السابقة حتى تكون متاحة لكل من يبغي الاستفادة منها. وقد أصدر فضيلته (1284) فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء.كما اختير فضيلته عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية سنة 1980م.
تقلده منصب وزير الأوقاف:
تم تعيين فضيلته وزير الدولة للأوقاف بالقرار رقم 4 لسنة 1982م بتاريخ 9 من ربيع الأول 1402هـ الموافق 4 من يناير 1982م، وفور تقلده لهذا المنصب عقد العديد من المؤتمرات مع الأئمة والخطباء واستمع إلى المشاكل التي تعترضهم؛ للعمل على حلها حتى يقوم الدعــاة إلى الله بواجباتهم.
مشيخة الأزهر:
مكث الشيخ في الوزارة أشهرًا قليلة ما لبث بعدها أن تولَّى مشيخة الأزهر في 22 جمادى الأولى 1402هـ الموافق 17 من مارس سنة 1982م، بالقرار الجمهوري رقم 129 لسنة 1982م. فأصبح هو الشيخ الثاني والأربعين من سلسلة شيوخ الأزهر.
وفي سبتمبر عام 1988م تمَّ اختيار فضيلته رئيسًا للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.
وقد شهد الأزهر الشريف في عهد الإمام الراحل نهضة كبيرة، فقد انتشرت المعاهد الأزهرية في كل قرى ومدن مصر، كما لم تنتشر من قبل، فقد بلغ عدد المعاهد الأزهرية في عهده أكثر من ستة آلاف معهد.
ولم يقف جهد الإمام الراحل على نشر المعاهد الأزهرية في مصر، بل حرص على انتشارها في شتى بقاع العالم الإسلامي، فأنشأ معاهد أزهرية تخضع لإشراف الأزهر في تنزانيا وكينيا والصومال وجنوب إفريقيا وتشاد ونيجيريا والمالديف وجزر القمر وغيرها من البلدان الإسلامية.
كما فتح الإمام الراحل باب الأزهر واسعًا أمام الطلاب الوافدين من الوطن الإسلامي وخارجه، وزاد من المنح الدراسية لهم حتى يعودوا لأوطانهم دعاة للإسلام. ونجح الإمام الراحل في فتح فروع لجامعة الأزهر في جميع أنحاء مصر وعقدت الجامعة في عهده لأول مرة مؤتمرات دولية في قضايا طبية وزراعية وثقافية مهمة تحدد رأي الأزهر والإسلام فيها.
وكان الإمام الراحل حريصًا على الدفاع عن علماء الأزهر الشريف، وإبراز الوجه المشرق لهم، انطلاقًا من إيمانه الكامل بعظمة الرسالة التي يقومون بها، كما دعا الإمام الراحل إلى ضرورة قيام علماء الأزهر الشريف بمحاورة الشباب المتطرف الذي يفهم الإسلام فهمًا خاطئًا.
وكان آخر قرارات الإمام الراحل لنهضة الأزهر وإبراز دوره في نشر رسالة الإسلام هو إقامة مدرسة مسائية للرجال والنساء على شكل مركز مفتوح للدراسات الإسلامية بالأزهر الشريف؛ لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، ولتوضيح حقائق الدين السمحة البعيدة عن التعصب والجهل والداعية للحب والسلام، ويتم فيها تدريس جميع فروع العلوم الإسلامية.
ربا البنوك
أنكر فتوى الدكتور محمد سيد طنطاوي بإباحة ربا البنوك، مخالفا توجهات الدولة وسياستها الاقتصادية في هذه المسألة، كما أنكر ذلك جبهة علماء الأزهر.
ونقل عنه قوله إن علماء الأزهر يصدعون بالحق ويصحّحون المفاهيم الخاطئة من خلال الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.
الجانب السياسي
أما في الجانب السياسي، وخلال فترة حكم الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، كانت لجاد الحق مواقف عدة معارضة لسياسة النظام.
 فقد تراجع عن تأييد معاهدة السلام مع إسرائيل ردا على عدوان إسرائيل المستمر على الفلسطينيين، وأعلن تأييده للانتفاضة الفلسطينية والعمليات الاستشهادية، وقال إن «من يذهب للقدس من المسلمين آثم آثم، والأولى بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه للقدس حتى تتطهر من دنس المغتصبين».
وندد بموقف الولايات المتحدة المنحاز إلى إسرائيل، كما عارض فرض العقوبات السياسية والاقتصادية على السودان والعراق.
وفي تصريحاته بذات الشأن، وصف إسرائيل بالكيان الصهيوني أو دولة الاحتلال.
وقد قام بدور مؤثّر في قضايا الحوار بين الأديان والحضارات، وقضايا الأقليّات الإسلاميّة في العالم.
قدم الشيخ جاد الحق أبحاثا وصفت بالقيمة خلال مشاركاته في المؤتمرات الإسلامية، وترك للإذاعة المصرية العديد من الأحاديث والبرامج.
يقول عنه الشيخ يوسف القرضاوي «لم ينزلق جاد الحق بالأزهر إلى الفتاوى التي زلّت فيها أقدام آخرين وحافظ على كرامة الأزهر ومجمع بحوثه الذي يمثل السلطة العليا للفتوى في الشؤون الإسلامية في مصر، وكان متعاونا مع العاملين في الحقل الإسلامي، واقفا كالصخرة الصماء في وجه العلمانيين والمتغرّبين الذين يريدون أن يسلخوا الأمة من جلدها، وأن يبعدوها عن شريعة ربها، فلم تلن قناته في مواجهتهم، وتحدي أباطيلهم».
 
 
 
مؤلفاته 
 له عدة مؤلفات منها:
1 - كتاب مع القرآن الكريم.
2 - كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن.
3 - كتاب الفقه الإسلامي: مرونته وتطوره.
4 - كتاب أحكام الشريعة الإسلامية في مسائل طبية عن الأمراض النسائية.
5 - كتاب بيان للناس.
6 - رسالة في الاجتهاد وشروطه ونطاقه والتقليد والتخريج.
7 - رسالة في القضاء في الإسلام.
وهاتان الرسالتان تدرسان بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية بالقاهرة ومركز الدراسات القضائية بوزارة العدل.
8 - وصدر لفضيلته من خلال الأزهر الشريف خمسة أجزاء (مجلدات) من فتاويه جمعت في حياته بعنوان: بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة. وقد أعدها الشيخ جاد الحق في أحد عشر جزءًا، صدر منها خمسة أجزاء.
9 - وللشيخ الراحل العديد من الأبحاث المستفيضة، التي تتناول قضايا الشباب والنشء والتربية الدينية، والتي قدمت للجهات المعنية بذلك، منها بحثه عن الطفولة في ظل الشريعة الإسلامية، والذي أصدره مجمع البحوث الإسلامية في سبتمبر 1995م هدية مع مجلة الأزهر.
أوسمة
• وشاح النيل من مصر وهو أعلى وشاح تمنحه الدولة في (سنة 1403هـ /1983م) بمناسبة العيد الألفي للأزهر.
• وسام «الكفاءة الفكرية والعلوم» من الدرجة الممتازة من المغرب.
• جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة (1416هـ/1995م).
    وقد كُتِبَ في جوانب من شخصية الإمام الراحل رسائل علمية منها أطروحة للدكتوراه قدمتها باحثة في الفقه كانت بعنوان: «الشيخ جاد الحق علي جاد ومنهجه في الفقه وقضايا العصر»، وقد منحها قسم الفقه العام بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى.
ماذا تقول لربك غدا؟
المقولة الشهيرة لفضيلة الشيخ، والتى علمها لأبنائه وأهل قريته، أكد ذلك «عبد القادر أحمد جاد الحق» ابن أخ فضيلة الإمام، والذى قال عنه : «كان عادلًا في أفعاله وأقواله محب لكل الناس لا يكره أحدًا، فكان يحب أهل بلده وأقاربه، ولا يمنعه في الحق لومة لائم، ومن المواقف التي أثرت فى كثيرًا وتعلمت منها الكثير، انه رفض مدة إعارتي للسعودية لسنة إضافية، لأنه ليس حقًا لي وشدد على مقولته: ماذا أقول ربى غدًا»، كما أنه رفض نقل أحد أهالى القرية بعد تعينه فى غينيا إلى مصر قائلًا: «هل هذا يرضي الله» فإنه لا يعطى حق أحد لأحد أخر، كما أنه قضى على المحسوبية داخل الأزهر الشريف في عهده.
وأضاف أن فضيلة الشيخ كان له العديد من المواقف التى ترفع من شأن الدين الاسلامى والأزهر الشريف منها، رفض لقاء الوفد الإسرائيلي برئاسة رئيسهم عيزرا وايزمان خلال زيارته للقاهرة قائلًا: «أرفض التطبيع.. فأنا لا أضع يدى في يد قتلت الاطفال والنساء»، وكان مهمومًا بقضية القدس مؤكدًا أن القدس عربية إلى يوم الدين، كما رفض زيارة القدس دفاعًا عن القضية الفلسطينة.
 
 
وفــاته:
توفي الإمام الراحل فجر الجمعة 25 من شوال 1416هـ الموافق 15من مارس 1996م بعد حياة حافلة بالعطاء وخدمة الإسلام رحمه الله رحمة واسعة.