لا أعرف هل صرخة المسجد الأقصى، التى دوت طوال شهر رمضان المبارك، قد سُمعت جيدا فى العالم كله أم لا، قبل أن تكون سُمعت، قطعا، وهزت وجدان منطقتنا من جديد، وشعر بها المسلمون والمسيحيون فى كل مكان بالمنطقة العربية، أم أن الكل كانوا مشغولين بأشياء أخرى يتصورون أنها أكثر دويا وتأثيرا من حروب، وتقسيم، وصراعات مختلفة تشغل الإقليم، والعالم كله، خاصة أن العالم يشهد ميلاد نظام جديد، وفى الشرق الأوسط يُولد نظام، وعلاقات إقليمية جديدة، ومختلفة؟!
من واجبنا أن نحذر، وأن نسمع من لا يسمع أن مشهد الاعتداء على المسجد الأقصى هذا العام ترك فى نفوسنا جروحا غائرة يصعب تضميدها، وإن لم تكن قد أدركتها حكومة إسرائيل، أو عمدت إلى تكريسها، وسط تجاهلها ماذا يحدث حولها؟!، شعورا مزيفا بالقوة، والغياب الفلسطينى، والعربى-فإن القيادات فى عالمنا العربى يجب أن يدركوها، ويحسبوا خطواتها جيدا، لأنها من العوامل التى تحمل بذور الانهيار الإقليمى، أو أرادت إسرائيل وحكومتها ذات الرأسين الضعيفة أن تستأسد على المسجد مثل استئسادها على الفلسطينيين والمقدسات، الذين يعيشون هناك أسرى تحت الاحتلال، والعنصرية، فعمدت إلى تذكير الجميع بأن المسجد نفسه أسير، وأنها تملك قراره، أو عاجزة عن حمايته من المتطرفين، والمستوطنين، ولمن لا يعرف فإن الأقصى ليس مسجدا، أو معلما إسلاميا فقط؛ بل هو ذروة القداسة الإسلامية؛ إنه وأول قبلة للمسلمين؛ ومسرى رسوله الكريم من مكة ومعراجه إلى السماء، حيث حمّله الخالق عز وجل رسالة السماء والتوحيد عبر الأقصى.
إن قلوبنا وعقولنا كانت تبكى فى الوقت الذى انتظرنا فيه إسرائيل أن تدرك معانىَ السلام القادمة من دول المنطقة، والمؤتمرات المتعاقبة، حتى تطمئن، وتدرك أنها أصبحت جزءا من الإقليم، فتعطى أصحاب الحقوق حقوقهم، وتعترف، وتحرر الفلسطينيين من قبضتها، وإرهابها الضخم، واحتلالها الذى يمثل ذروة إرهاب الدولة، وعنصريتها، بل تبدأ فى تخليص المنطقة من الفوضى، والاضطرابات، وعدم الاستقرار الناجم عن وجودها بها، وتسلم بحقوق الفلسطينيين الغائبة، وعاصمة بلادهم (القدس الشريف)، وأن تخمد النيران المشتعلة فى الأراضى المقدسة، وترميم علاقاتها مع أصحاب الأرض، والحق، فإذا بها تعود لممارسة هواية المتطرفين، أو اليمين الحاكم هناك، الذى أصبح جزءا لا يتجزأ من القرار الإسرائيلى، ولا يمكن إغفاله، أو تجاهله كمكون للسياسات، أو صانع لها، بل هو الذى يحجب أى قرار، أو تطور يدعو إلى التعايش، وإقرار السلام فى المنطقة العربية، والحساسة فى العالم، فتعمدت الحكومة اليمينية الهشة هناك أن ترسل لنا فى المنطقة رسالة مخيفة تحمل فى طياتها بذورا للحروب لن تتوقف، بل بذورا للفوضى، ووقودا للإرهاب لا يمكن السيطرة عليه.
.
أعتقد أن الإسرائيليين فى رمضان 2022 كانت رسالتهم إلى المنطقة غامضة- رغم بساطتها، ورغم أنها خطيرة وموحية معا- أنها سمحت للمستوطنين بالدخول للأقصى المبارك بعد أن منعت المصلين من دخوله، وممارسة الاعتداءات على المصلين فى شهر الصيام المبارك للمسلمين، فنحن هنا ماذا قرأنا؟.. قرأنا أن الحكومة المتطرفة باقتحاماتها للمخيمات، حيث جنين التى نعتبرها غزة الصغرى بعد 20عاما على المعركة التى قامت هناك، كان من نتيجتها الرحيل، أو استشهاد ياسر عرفات، ومن هنا فإن الاعتداء الأخير حمل رسالة مؤداها تحويل الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى من صراع سياسى على الحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة فى العودة، وتقرير المصير، وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف- إلى صراع دينى مقيت لا يعرف من يبدأه كيف تنتهى به الحال، وبالمنطقة، والعالم، ولا يعرف كذلك أبعاده الخطيرة، والمتطايرة فى كل مكان بعالمنا، ليس على المنطقة التى نعيش فيها معا، بل على العالم برمته!! وإذا كانت إسرائيل وداعموها لا يعلمون فيجب أن يعرفوا ويدركوا أنهم فى حالة تحقيقه فإنه سيهدد الأمن والسلم العالميين، وسوف تدرك إسرائيل أن كل مساعيها للاستقرار الإقليمى والتعاون مع دول المنطقة لا يمكن تحقيقها، وسوف تذروها الرياح،
وقد لا تكون إسرائيل مدركة أنه لا يمكن للشعوب العربية والإسلامية السكوت عن ذلك، بل إنه مقدمة للحروب والدمار الذى سيطول المنطقة والعالم، فاللعب بالنار بقضية الأقصى خطير، ولن يمكن لأى حكومة فى المنطقة قبوله، حتى لو أقامت علاقات دبلوماسية وسلام مع إسرائيل.
وإذا كنا نشعر بالامتنان من خلال الأحداث الجسام فإنه سيكون لأبناء الأقصى المقدسيين الشرفاء والأحرار، والشباب هناك، الذين استطاعوا بشق الأنفس، والمعاناة، والصبر، الوصول إلى الأقصى، وحمايته، وإفشال مخطط المستوطنين فى ذبح القرابين.. وغيرها من المظاهر العدائية التى خططوا لها؛ لإفساد العلاقة الروحية للمسلمين، ومسجدهم، أو أقصاهم المبارك والمقدس فى الشهر الفضيل.
لقد وقفت الحكومة الإسرائيلية هناك عاجزة عن مواجهة المتطرفين والمستوطنين اليهود، وظهر لنا بوضوح أن هناك محاولات ومخططات هادفة من قبل هذه الحكومة وهؤلاء المستوطنين لتقسيم الأقصى مكانيا، بعد أن استطاعوا تقسيمه زمانيا، وهى مقدمات لحروب، وفوضى إقليمية قد لا تدرك الحكومة هناك مخاطرها الكامنة، والجسيمة فى ضمير المنطقة، وضمير المسلمين فى كل مكان بالعالم، وقد أحسنت الحكومات العربية، وفى مقدمتها مصر التى تدخلت، وكانت رسالتها بليغة حتى لا تنسى إسرائيل أن الأقصى وقف إسلامى خالص للمسلمين فى الأرض كلها، وأن المشهد الحالى، والذى يستمر طوال (النصف الثانى من إبريل)، والأسبوع الأخير من رمضان، (عيد الفصح اليهودى)؛ سيؤدى إلى حرب مفتوحة، وأعياد القيامة لدى المسيحيين كان يجب أن تكون رسالة للتعايش والمحبة بين الأديان، وليس تأجيج المشاعر، مما جعل الفلسطينيين (مسلمين ومسيحيين) فى الضفة وغزة يعودون إلى حالة من المخاوف، ويشعرون بوطأة الحرب الدينية الساعية إلى تغيير، وتحمل تلك الأوضاع، بدورها، الكثير من المخاطر التى تمتد من التصعيد المفتوح، بكل ما يحمله من صور، إلى الانتفاضة، إلى الحرب بكل تطوراتها المحتملة، ونطاق امتدادها.