لم تكن الكويت وطنا لأهلها فحسب إنما مقصدا لكل سائل ومريد ومدرسة لنهج متأصل بقيم العطاء والخير أسسها الآباء والأجداد وخلدتها الأيام على مر التاريخ منها معروف وموثق ويعود إلى 400 عام دون في الكتب والمخطوطات والوثائق أما جذور العمل الخيري التي امتدت عميقا عبر تاريخها قبل ظهور النفط فكانت وستبقى علامة فارقة طبقت شهرتها الآفاق.
ومنذ عام 1613 وحتى يومنا هذا لم يغب العطاء عن أرض الكويت التي سطر أبناؤها حكاما وشعبا أروع الأمثلة في عمل الخير والعطاء غير المحدود على جميع الأصعدة حتى أصبح العمل الخيري سمة الكويت والكويتيين.
ولأن العمل الخيري ليس سلوكا لدى الكويتيين فحسب بل هو نهج راسخ أيضا لدى حكام الكويت الذين كتب التاريخ مآثرهم ومحاسنهم بحروف من ذهب مثل (جابر العيش) و(جابر العثرات) والشيخ مبارك الصباح الذي أسس مضيف (عيش بن عمير) كما أسست في عهده أول جمعية خيرية كويتية عام 1913 وهي الجمعية الخيرية العربية على يد فرحان الخضير.
 
 

سامي الرميان  : التصوير في غزة ليس مجرد فن بل مقاومة في وجه التعتيم
سعد العتيبي  : نأمل أن تشكل هذه المنحة نقطة تحول في مسيرة التصوير الإنساني

 
حين يعجز الحرف عن نقل الحقيقة، تتحدث العدسة بصوتٍ لا يكذب، وتصبح الصورة أبلغ من ألف كلمة، في عالمٍ يموج بالأحداث والصراعات، تتوارى قصص المعاناة خلف عناوين الأخبار، لكن هناك من يصرّ على أن تكون هذه القصص مرئية، محسوسة، بلغةٍ يفهمها الجميع: لغة الصورة.
من هنا، وُلِدت “منحة التصوير الإنساني”، كمشروعٍ ريادي يمنح المصورين في المناطق المنكوبة فرصةً ليكونوا شهودًا على التاريخ، وحراسًا لذاكرة الشعوب، انطلقت النسخة الأولى من المنحة من قلب غزة، حيث الألم والصمود يتعانقان، ومن بين الركام خرجت عشر عدسات فلسطينية، لتنقل للعالم قصصًا لم تُحكَ، وصورًا تنبض بالحقيقة، شاهدةً على واحدة من أشد المآسي الإنسانية في العصر الحديث.
محطات عالمية: من غزة إلى واشنطن والشارقة
لم تتوقف المنحة عند دعم المصورين فحسب، بل حملت رسالتهم عبر العالم من خلال سلسلة معارض بدأت في واشنطن، ثم انتقلت إلى الشارقة، حيث لاقت الصور صدىً واسعًا في الأوساط الثقافية والإنسانية. وجاءت هذه المعارض كنافذةٍ حقيقية تُطل منها غزة على العالم، بكاميرات أبنائها، لا بعدسات الغريب.
في هذا السياق، قال سامي الرميان، رئيس المنحة: حيث يعيش الناس في غزة الحياة في ظل الحرب منذ 7 أكتوبر 2023، انتشرت بشكل كبير صور الحرب والدمار والموت والإبادة القادمة من داخل غزة، مما ساهم في التأثير على الرأي العام العالمي. فللمرة الأولى يرى الناس أثر الحرب بشكل مباشر ويومي. وبالنسبة لغزة المعتّم على أخبارها منذ 2006 أصبح العالم الآن قادراً أن يرى ويسمع القصة الحقيقية لأهلها لكن أخبار الدمار فقط لا تكفي..لذا أردنا في منحة غزة للمشاريع الفوتوغرافية أن نُرِيَ العالم صمود أهلها وصبرهم وحياتهم تحت وقع الحرب، أن نرى يومياتهم، معاناتهم في توفير أبسط متطلبات الحياة. نريد أن نرى الطفل الغزاوي، نريد أن نعيش معاناة المرأة الأم والزوجة والطفلة، نريد أن نعيش واقع رب الأسرة في تأمين الحياة لأسرته يوما بيوم، معاناة الماء والغذاء، كما يمكن أن نرى أبطال غزة، المستمرون في أداء عملهم رغم التحديات اليومية التي يعيشونها. نتطلع أن نرى ذلك وأكثر أردنا أن نرى مشاريع فوتوغرافية وليس مجرد صور فردية، حيث يكون سرد قصة غزة أكثر عمقا وتأثيرا حين يعبر عنه المصور في سرد بصري مكون من مجموعة صور هدفنا هو سرد قصص الصمود اليومية، التي تتخذ قصص الأمل والإباء والصبر والإيمان محوراً لدعم صمود السكان في غزة رغم قسوة الحياة في ظل الحرب.
وتابع الرميان:  في غزة، التصوير ليس مجرد فن، بل فعل مقاومة في وجه التعتيم. لقد عملنا على تمكين المصورين هناك ليكونوا مرآة صادقة لما يجري، وليصل صوتهم إلى العالم عبر أعمال تحمل عمق المعاناة ووهج الصمود،   وأضاف:“نؤمن أن الصورة تحمل رسالة قوية قادرة على إحداث تأثير واسع، لذا نسعى من خلال هذه المنحة إلى تمكين المصورين من إيصال أصوات من لا صوت لهم، وتعزيز ثقافة التوثيق البصري للمآسي الإنسانية. وأوضح أن منحة غزة للمشاريع الفوتوغرافية هي الخطوة الأولى في هذه الرحلة، حيث وقع الاختيار على هذا الموضوع الحيوي لتسليط الضوء على معاناة وصمود أهل غزة في ظل الحرب والحصار. لقد جاءت هذه المنحة المالية لتمنح المصورين في غزة فرصة فريدة لتوثيق الواقع اليومي الذي يعيشونه في غزة من خلال عدساتهم، وخلق روايات بصرية تحكي قصص الألم والصمود، وتجسد الجهود الإنسانية في أصعب الظروف.
قصص غزة غير المروية
افتتحت منحة التصوير الإنساني معرضها الفوتوغرافي الأول في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان “من خلال عدستهم: قصص غزة غير المروية” ، حيث يجسد هذا المعرض الواقع الإنساني الأليم الذي تعيشه غزة، من خلال أعمال نخبة من المصورين الفلسطينيين الذين استخدموا عدساتهم لنقل الحقيقة وتوثيق تفاصيل المعاناة والصمود في واحدة من أشد الإبادات الجماعية عنفًا في العصر الحديث.
ضم المعرض صورًا توثيقية قوية التقطها مصورون محليون في غزة، حيث تروي كل صورة قصةً منفصلة، تحمل في طياتها معاناة العائلات، صمود الأطفال، تضحيات النساء، وأحلام الشباب التي لا تذبل رغم الدمار، وتكشف هذه الصور عن الوجه الإنساني للحرب، والذي غالبًا ما يتوارى خلف العناوين السياسية.
الشارقة تحتضن “عدسات تنبض بالإنسانية”
كانت مشاركة المنحة في مهرجان “إكسبوجر 2025” في الشارقة بمثابة تتويج لرحلتها، حيث شكل المعرض نافذةً حقيقيةً تُطل منها غزة على العالم، بعدسات أبنائها، لا بعدسات الغريب، الصور المعروضة لم تكن مجرد لقطات فوتوغرافية، بل كانت وثائق إنسانية ناطقة، تسرد تفاصيل الحياة والموت، وتروي قصص الأمل رغم الألم.
من جانبه، قال سعد العتيبي، رئيس مجلس أمناء الجائزة:“هذا المعرض ليس مجرد مجموعة صور، بل هو شهادة حية، ونبض من أرضٍ تتحدى الموت يوميًا، نحن لا نقدم للمصورين فرصةً مهنية فقط، بل نمنحهم صوتًا عالميًا يعبر حدود الصمت.”
وأشار إلى أن:“الهدف هو إعطاء المصورين في غزة فرصةً حقيقية ليكونوا صناع روايتهم الخاصة، لينقلوا المشهد بأعين من عاشوه، لا بعيون الراصدين من بعيد.”
وأشار إلى أن مجلس الأمناء سيعمل على ضمان توفير بيئة داعمة للمصورين المشاركين في المنحة وغيرها من المنح مع الحرص على توجيه أعمالهم نحو القضايا ذات التأثير الأعمق، وتحفيزهم على إنتاج محتوى بصري مؤثر يسهم في إحداث تغيير إيجابي.
وختم العتيبي حديثه قائلاً: “نأمل أن تشكل هذه المنحة نقطة تحول في مسيرة التصوير الإنساني، وأن تساهم في إبراز قصص إنسانية ملهمة تعكس صمود الأفراد والمجتمعات في وجه التحديات.”
التمكين عبر الفن: دور الشراكات الإنسانية
جاءت هذه المنحة بتمكين من جهات إنسانية آمنت بضرورة دعم المصورين في ظل الظروف القاسية، ومنها “نماء الخيرية” في الكويت، و”الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية” في الكويت، و”كاف الإنسانية” في البحرين.
في هذا الإطار، شدد العتيبي على أهمية التعاون مع الجهات الداعمة، مؤكدًا: “مجلس الأمناء سيعمل على ضمان توفير بيئة داعمة للمصورين المشاركين في المنحة وغيرها من المبادرات، مع الحرص على توجيه أعمالهم نحو القضايا ذات التأثير الأعمق، وتحفيزهم على إنتاج محتوى بصري مؤثر يسهم في إحداث تغيير إيجابي.”
التصوير الإنساني: شهادة بصرية على التاريخ
المصورون الذين شاركوا في هذه المنحة لم يكونوا مجرد محترفين يبحثون عن لقطات جميلة، بل كانوا شهودًا على الألم والأمل، ورواةً لقصص لا تنقلها الكلمات.
حسين الموسوي، رئيس تحرير مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية، قال عن أهمية هذا المعرض:“ما يقدمه هذا المعرض يتجاوز حدود الفن، ليصبح توثيقًا للتاريخ الإنساني الحي. نحن لا ننظر إلى هذه الصور كأعمال إبداعية فحسب، بل كوثائق بصرية تحمل رسائل للأجيال القادمة، تسلط الضوء على تفاصيل قد تُنسى، لكنها تبقى محفورةً في ذاكرة العدسة والإنسان.”
ختامًا: رحلة لم تنتهِ بعد
هذا المعرض هو الأول في سلسلة معارض حول العالم، ستواصل فيها منحة التصوير الإنساني نقل صوت غزة، لتروي للعالم قصة الأرض التي تنزف صمودًا، والسماء التي تمطر صرخات الأمل. وكما أكد الرميان:“رحلتنا بدأت، ورسالتنا مستمرة. هذه ليست مجرد صور، بل نداءٌ للإنسانية كي تستفيق.”
 

اليد الفلسطينية

بعد أن كانت ترسم الأحلام والآمال، أصبحت « اليد الفلسطينية « اليوم تحاول إزالة الركام، وبعد أن كانت تمشط شعر الفتيات، أصبحت الآن تتفحص وجوههن، هذه هي اليد التي اختار «بلال خالد» أن يكون موضوعًا فوتوغرافيًا له، لتوثيق الوجود الفلسطيني وفضح بشاعة العدو الإسرائيلي الذي اغتال أكثر من 78 ألف يد في أكبر إبادة جماعية في التاريخ الحديث. 
منذ السابع من أكتوبر 2023، توقفت الحياة الطبيعية في قطاع غزة، وحل مكانها الانفجارات والانهيارات التي سوت البنيان بالأرض، لتسحق من بداخلها، في ظل هذا، أسرعت الأرجل وتماسكت الأيادي لرفع الأنقاض بحثًا عن حياة جديدة أو ترتقي بشهيد.
 يقول بلال خالد: “هذه الأيادي تنبض بالحياة وتنشد الأمل، وهي ليست مجرد أعضاء جسدية، بل رمز دائم للصمود والإصرار”، من خلال عمله الفوتوغرافي، جعل بلال خالد اليد رمزًا أساسيًا للتعاضد والتماسك في غزة، ليروي قصة المحنة الإنسانية والجرائم التي ارتكبت وسط هذا الدمار الهائل.