يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح. 
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط»  سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي».
ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة. وسنتوقف في هذه الحلقة مع سيرة محمد بن مدعج المدعج وعلي بن السيد سليمان الرفاعي.
 
المولد والنشأة:
هو محمد بن مدعج بن مبارك بن مدعج العازمي من قبيلة العوازم ولد عام 1284هـ الموافق 1867م بحي العوازم بمدينة الكويت.
الرجل لم ينل قسطا من التعليم فلم يعرف القراءة والكتابة حتى بلغ الأربعين من عمره، لكنه كان يعشق سماع القرآن الكريم والإنصات إليه، ولما كان صادق النية في إقباله على الله وثبت الله القرآن في صدره فحفظه عن ظهر قلب، حبا في الله، ولم يقرأ ولم يكتب، وحفظه للقرآن جعل منه حافظا لكثير من الشعر العربي حافظا لمعانيه، يحب أهل العلم ويحسن السؤال، ويفهم منهم الكثير، يفعل الخير ويحث على فعله، ويحب الإصلاح بين الناس بسداد رأي، ولذا أحبه الناس.
دانة بن مدعج:
بدأ حياته بالعمل في الغوص، وكان موفقا فيه حيث من الله عليه بلؤلؤة ثمينة عام 1348 - 1930م مازال ذكرها باقيا على ألسنة الناس يضربون بها المثل لكبر حجمها فسميت دانة بن مدعج وقد باعها بمبلغ (80،000) ثمانين ألف روبية. ثم اتجه بعد ذلك إلى تجارة الحبوب وتعامل مع أهل المدينة وأهل البادية في هذه التجارة بأمانة وإخلاص حتى أصبح ذا مكانة مرموقة بين قومه.
أوجه الإحسان في حياته:
كان المحسن محمد المدعج يدرك أن الإحسان أيضا في حسن الخلق والمعاملة، فعلى الرغم من كثرة مشاكل مهنة الغوص، إلا أنه لم يشك من أحد ولم يشك أحد منه طيلة عمله في البحر، ولذلك لم يدخل المحاكم إلا شاهدا إذا ما طلبت منه الشهادة.
المساجد:
شيد المرحوم محمد المدعج أربعة مساجد، أطلق اسمه على واحد منها في السالمية، وأقدمها مسجد له في قرية الدمنة. أما المسجد الرابع فقد بناه في صيهد العوازم.
كما أسهم في بناء مساجد عديدة داخل الكويت وخارجها وقد خصص جزءا معلوما من ماله للصرف على هذه المساجد وصيانتها.
عملا بقوله تعالى:
«الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» سورة البقرة 274 .
إحسانه للفقراء والمساكين:
في سرية تامة تكفل المحسن محمد المدعج برعاية كثير من الأسر الكويتية التي فقدت عائلها أثناء رحلات الغوص أو المرض، وتولى الإنفاق عليها وكسوة أبنائها صيفا وشتاء ومن كريم خلقه كان لا يحب الرياء ولا يحب أن يتحدث أحد عن صدقاته فما كان يبتغي بها إلا وجه الله تعالى.
حسن الجوار والمعاملة:
اشتهر المحسن محمد المدعج بحسن الجوار وحسن المعاملة وعرف بنخوته العربية وأخلاقه الكريمة، وفي هذا روى عنه الشيخ عبد الله النوري في كتابه “خالدون في تاريخ الكويت” قصة تدل على الاحترام المتبادل بينه وبين المواطنين فقال: علم السيد محمد المدعج أن السيد علي السيد سليمان اشترى بيتا مجاورا لبيته، فقام بزيارته في متجره، ولما رآه السيد علي قام مرحبا به قائلا: “أهلا بقدومك يا بو مدعج وعسى حاجتك عندنا ونقضيها”، وهذه عبارة معروفة بين الكويتيين عندما يزورهم ذو المكانة الذي لم يتعود زيارتهم، فقال: لقد سمعت أنك اشتريت البيت المجاور لبيتي، فهل ستسكنه؟ وهذا الذي أريده وأتمناه، أم أنك ستستثمره مأجورا وهذا ما أخافه.. لأني أخاف من جار السوء، وأرجو إن كان الثاني أن تبيعني البيت بالفائدة التي تريد. فقال السيد علي: لا إن زيارتك لي هي الفائدة الكبرى، واعتبر البيت مسجلا باسمك. وعلم المرحوم علي العليمي وهو من خيار الناس بما جرى بين السيد علي ومحمد المدعج، وأن ملكية البيت آلت إلى السيد محمد المدعج فذهب إليه قائلا: إنني أبحث عن دار وجار، وقد وجدت الجار الذي أتمناه والذي هو أفضل من الجدار، فهل تبيعني البيت بالفائدة التي تريد؟ فقال محمد المدعج: اعتبر البيت قد سجل باسمك، ولا أريد عليه فائدة أكثر من جوارك. وهكذا كانت حياة المحسن محمد المدعج سلسلة من القيم والمثل الفاضلة والأخلاق العالية، وهكذا كان أهل الخير في الكويت يتسارعون لحب الخيرات فعاشوا حياة تميزت بالألفة  والمحبة وفضائل الأخلاق.
وفاته:
توفي رحمه الله في شهر شوال 1387هـ الموافق 1968م عن عمر جاوز المئة سنة قمرية.
جعل الله تعالى أعماله الخيرة في ميزان حسناته وأدخله فسيح جناته.
 

علي بن السيد سليمان الرفاعي

المولد والنشأة:
السيد علي السيد سليمان السيد علي الرفاعي، ولد عام 1310هـ - 1892م في الحي القبلي من مدينة الكويت، عرف والده بتقواه وورعه واجتهاده فكان من الحريصين على التزود بالمعرفة والتفقه في الدين، وقد توفي السيد علي ابنه ولم يتجاوز سن الخامسة من عمره، فتولت والدته مواصلة تعليمه وأحسنت تربيته، حيث أرسلته لمن يعلمه القرأن الكريم والقراءة والحساب. واستمر يتعلم حتى بلغ اثني عشر عاما، وفي عام 1321هـ - 1904م حرم من حنان الأم فقد توفاها الله ليصبح يتيم الأبوين، لكن رحمة الله واسعة، فقد شمله خاله الرجل المحسن الكريم إبراهيم المضف بعطفه ورعايته، ولما لمس الخال في الشاب اليتيم علامات الفطنة والذكاء، أراد أن يعوده الاعتماد على نفسه، فمنحه مبلغا من المال ليضارب به في الأسواق وأقرضه عمه سيد ياسين الرفاعي مبلغا آخر ثم عمل طواشا يتاجر في اللؤلؤ، وعرف كوالده بتقواه وصدقه، فنال ثقة الناس ومحبتهم وفتح الله عليه من أبواب فضله.
أوجه الإحسان في حياته:
كان السيد علي الرفاعي محبا لفعل الخيرات ضمن محسني جيله من رجال الكويت، مشاركا في كل ما هو نافع للناس وللوطن، مضحيا بوقته وماله في سبيل المصلحة العامة.
في مجال التعليم:
اجتمع أهل العلم وأهل الرأي بدعوة من الشيخ يوسف القناعي ومشورة السيد ياسين الطبطبائي والشيخ عبد العزيز الرشيد في ديوان السيد خلف باشا النقيب في حي القبلة، وهذا الديوان ملتقى وجهاء الكويت وأعيانها، وقد عرض في هذا الاجتماع اقتراح تأسيس مدرسة جديدة ذات مناهج دراسية متطورة تدرس فيها العلوم العصرية –المدرسة الأحمدية– فكان السيد علي السيد سليمان الرفاعي من الأعضاء البارزين في تأسيس هذه المدرسة الحديثة بماله وفكره ووقته، وقد افتتحت رسميا عام 1340هـ - 1921م وقد تولى شؤون إدارتها، وبالرغم من عدم اكتمال فرصة تعليمه إلا أنه ورث عن أبيه حب العلم والمتعلمين.
مجلس المعارف:
وعندما كان عضوا بالمجلس البلدي عام 1356هـ - 1937م أسهم بدور كبير في توسيع دائرة التعليم في البلاد وذلك أثناء تدارس أعضاء المجلس أحوال التعلم، وقد انتهى الأمر إلى مراجعة أمير البلاد آنذاك المرحوم الشيخ أحمد الجابر في اقتراح تأسيس دائرة للمعارف تتولى مهام النهوض بالتعليم وتطويره، وبعد موافقة الشيخ أحمد الجابر وتشجيعه للفكرة صدر أمر تأسيس مجلس المعارف، وكان السيد علي من الأعضاء العاملين البارزين في أول مجلس للمعارف سنة 1936م برئاسة الشيخ عبد الله الجابر، كما كان عضوا في مجلس المعارف سنة 1952م برئاسة الشيخ عبد الله الجابر أيضا.
العناية بالمساجد:
بعد أن تقادم مسجد اليعقوب الذي أسسه المرحوم يعقوب الغانم 1235هـ - 1819م وضاقت مساحته بالمصلين، وجدده المرحوم حمد الخالد الخضير 1342هـ - 1923م، كان السيد علي بن السيد سليمان الرفاعي من المساهمين في هذا العمل الخيري، فقد شارك في نفقات الإمام والمؤذن ورغم أنه لم يكن واسع الثراء، لكنه لم يبخل بما ملكت يداه عن الإنفاق في سبيل الله.
مشاركته في الخدمات العامة:
عرف السيد علي الرفاعي بنشاطه وإخلاصه فاكتسب ثقة الجميع فقد شارك في مجالس متعددة لخدمة الناس والوطن متطوعا يبتغي بذلك فضل الله تعالى.
شارك في أول مجلس للبلدية في الكويت عام 1932م وبعد عامين تشكل مجلس بلدي آخر كان من الأعضاء البارزين فيه، ومما يدل على عطائه بإخلاص لخدمة الناس والوطن أنه كان عضوا بارزا في المجلس البلدي الثالث 1936 – 1940م.
كان رحمه الله من الأعضاء البارزين في المجلس التشريعي عام 1938م.
كما كان أحد الساعين والبارزين لتأسيس مجلس المعارف في يوليو 1936 الذي ترأسه المرحوم الشيخ عبدالله الجابر.
شارك في تأسيس وتنشيط بعض المؤسسات الاقتصادية في البلاد. وشارك بعضويته في أول شركة طيران في الكويت عام 1954 تحت اسم شركة الخطوط الجوية الوطنية فكان أحد أعضاء أول مجلس لإدارتها، وهكذا كانت حياة المحسن السيد علي سليمان الرفاعي عملا متواصلا في الخيرات، وكفاحا صادقا في خدمة الناس والوطن، فاستحق أن يذكره التاريخ كرجل من رجالات الكويت المخلصين.
وفاته:
توفاه الله في 15 من شهر المحرم 1377هـ الموافق 11 من أغسطس عام 1957م، رحمه الله تعالى وأدخله فسيح جناته.