أجازه عالم الأحساء وفقيهها الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز عام 1211 هـ بنقل مروياته لما وجد فيه من ذكاء وقاد اشتهر بالجود والكرم فكان بيته مضافة لا يخلو يوما من ضيف قريب أو بعيد
كان في تجارته نزيهاً يتحرى الحلال ويستنكر مدنسات البيع والشراء 
كرمته الدولة وأطلقت اسمه على أحد الشوارع في منطقة الدسمة يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح. 
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط»  سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي». ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة. وسنتوقف في هذه الحلقة مع سيرة السيد عبد الجليل بن ياسين الطبطبائي.
المولد والنشأة
هو السيد عبد الجليل بن السيد ياسين بن السيد إبراهيم بن السيد طه بن السيد خليل بن محمد صفي الدين، يتصل نسبه الشريف بإبراهيم طباطباء بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم القمر بن الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولد عام 1190هـ - 1776م في البصرة من أسرة كريمة وكان والده السيد ياسين الطبطبائي عالما جليلا محدثا ومفتيا للشافعية.
بدأ السيد عبد الجليل حياته العلمية على يد علماء أجلاء، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم القراءة وأخذ شيئا من مبادئ الحساب. ولما تم له ذلك دفعه، والده ليستوفي ثقافة عصره على أيدي كبار العلماء وقتئذ، فدرس النحو، واللغة، والفقه والحديث، وقد أجازه عالم الأحساء وفقيهها الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز عام 1211 هـ بنقل مروياته لما وجد فيه من ذكاء وقاد، وقدرة عالية على الحفظ، وهذه مكرمة قل أن ينالها تلميذ من تلاميذ هذا العالم الجليل، فالراوي لابد أن تتوافر فيه شروط عديدة لكي يكون أهلا للرواية عن أستاذ ما.
هاجر من البصرة إلى مدينة الزيارة.. التابعة لمشيخة قطر واستوطنها وبنى فيها مسجدا ثم هاجر منها إلى الكويت حيث وجد فيها بلدا آمنا مستقرا، واتخذ دارا لإقامته في حي القبلة جنوبي مسجد آل يعقوب.
أوجه الإحسان في حياته
اشتهر السيد عبد الجليل الطبطبائي بالجود والكرم، فقد كان بيته مضافة لا يخلو يوما من ضيف قريب أو بعيد، وكان محبا لفعل الخير والإحسان، ويسعى إلى ذلك جاهدا قدر استطاعته، ويمد يد العون لكل محتاج، يسعى إلى فعل المعروف، ويدل عليه، ومن ذلك قوله:
أغث بإمكانك الملهوف حيث أتى
بالكسر فالله يرعى حال منكسر
وكافئن ذوي المعروف ما صنعوا
إن الصنائع بالأحرار كالمطر
فلا تكن سبخا لم يجد ماطره
وكن كروض أتى بالزهر والثمر
في مجال العلم
تقول الأستاذة عواطف خليفة العذبي الصباح في كتابها (الشعر الكويتي الحديث): «على الرغم من قصر الفترة التي قضاها الطبطائي في الكويت إلا أنها كانت فترة تحول خطير في حياة هذا الشعب إذ استطاع هذا العالم بفضل ثقافته الدينية واللغوية الواسعة، أن يحدث تطورا في ثقافة الناس وأذواقهم، فقد كان رائد النهضة الثقافية في الكويت، وترك أثرا بارزا في كثير من الشعراء والكتاب الكويتيين، فقد نجح بفضل دروسه ومحاضراته، في أن يجمع حوله طائفةغير قليلة من الكويتيين المتعطشين لتحصيل المعرفة، وأن يفتح أمامهم أبوابا واسعة من الثقافة العربية في عصورها الزاهية، واستطاع أن يطلع الكويتيين على روائع الشعر القديم، وأن يعينهم على تذوقه وفهمه».
له ديوان شعر معروف باسم (الخل والخليل في شعر السيد عبد الجليل) وقد طبع عدة مرات وكانت أول هذه الطبعات سنة 1300هـ بمدينة بومباي بالهند على نفقة حفيده السيد مساعد ابن السيد أحمد ابن السيد عبد الجليل الطبطبائي.
الدعوة للأخلاق الحميدة
ولما كان السيد عبد الجليل أديبا وشاعرا فقد استخدم هذه الخاصية في معظم قصائده فوظف أدبه وأشعاره لما فيه فائدة مجتمعه ودعوتهم إلى الأخلاق الحميدة ونيل المعالي ومن ذلك قوله:
وليس يبلغ كنه المجد غير فتى
يرى اكتساب المعالي خير متجر
إن الكريم يرى حمل المشقة في 
نبل العلى من لذيذ العيش فاصطبر
فالصبر عون الفتى فيما تجشمه
إن السيادة نهج ظاهر الوعر
قناعته وكراهيته للربح الفاحش
لم يكن السيد عبد الجليل الطبطبائي فقيها وأديبا فحسب، بل لم يمنعه ما ورثه من آبائه من مزارع النخيل من أن يأكل من عمل يده فاشتغل بالتجارة، وكان نشطا بتجارة اللؤلؤ، وله مركب تجاري دعاه (السعد) وقد بسط الله له الرزق في تجارته.وضرب السيد عبد الجليل مثلا حيا للتاجر الأمين وكان في تجارته نزيها يتحرى الحلال، ويستنكر مدنسات البيع والشراء كالربا وغيره، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك، فقد كان يشمئز من الربح الفاحش. ويروي أحد أصدقائه أنه بشر مرة وهو يتوضأ للصلاة بأن بضاعته قد كسبت الضعف فاستعبر باكيا فقيل له: لماذا تبكي إن هذا مما يسرك ويفرحك فقال: إني أعرف ذلك، إلا أنه ينذر بما لا يحمد عقباه فإن الربح إذا بلغ هذا الحد وصار على هذا النمط يجب أن لا يفرح به صاحبه فقد يأتي على ما جمعه المرء، يريد أن يشير إلى أنه ما بعد الكمال إلا النقصان وقد صدق حدسه، فقد ذهب كثير من ماله لكن الله عوضه عنه بحب الناس وإجلالهم له لعلمه وتقاه وجوده وسمو نفسه.
قالوا عنه
تحدث عنه محمد ملا حسين في مجلة البعثة فقال: كان هذا السيد عالما أديبا وشاعرا من طراز العلماء والشعراء الأتقياء، سمحا جوادا، ذا أخلاق عالية ويحدثنا أهل الثقة بغرائب عنه في إكرام ضيفه، فكان يرعي رغبات ضيوفه دون طلب منهم تأدبا مع الضيف حتى يعفيه من حرج السؤال. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» متفق عليه.
وفاته
توفي السيد عبد الجليل الطبطبائي عام 1270هـ - 1853م رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته – كرمته الدولة وأطلقت اسمه على أحد الشوارع في منطقة الدسمة وكان له أولاد صالحون منهم العلامة السيد أحمد الطبطبائي.
ومما يجب أن نذكره هنا أن تلميذه العالم الورع الشيخ محمد بن فارس حجز  لنفسه قبرا بجوار قبر السيد عبد الجليل لنفسه وقد دفن فيه بعد عدة سنوات من موت السيد عبد الجليل وهذا مما يؤكد إدراك الناس لورعه وتقواه.
 

الشيخ عبدالوهاب بن عبد الله الفارس

المولد والنشأة
هو الشيخ عبد الوهاب بن عبدالله بن عبد العزيز ابن الشيخ محمد بن عبد الله بن فارس الذي عرفه الناس في زمانه بالورع والتقوى، متخلقا بأخلاق السلف الصالح، فقيها في مذهبه، شديد التمسك بدينه، لا تأخذه في الحق لومة لائم.
ولد عبدالوهاب عبد الله الفارس في 20 جمادي الأولى عام 1320هـ في الكويت من أبوين كريمين فجده هو الشيخ محمد الفارس العالم التقي الورع، وجده لأمه هو محمد السميط من العائلة المعروفة بالشرف والأمانة في الكويت فهو من أسرة أنجبت رجالا أخلصوا لله دينهم غير مبالين بما هو دون ذلك. قال الشيخ عبد الله الخلف في جده الشيخ محمد الفارس أنه العالم العادل والفاضل كان مثالا للورع واجتناب الشبهات، وقد ورث الشيخ عبد الوهاب هذه الصفات الحميدة عن جديه.
أوجه الإحسان في حياته:
من أبرز أوجه إحسانه بره بأهله ورعايته لإخوته الصغار، فقد توفي والده وترك من الأولاد أربعة ذكور وبنتين، وكان عبد الوهاب أكبرهم سنا، فتولى رعاية إخوته وهو في الثامنة عشرة من عمره وتحمل المسؤولية كاملة حتى كان مضرب المثل في الشهامة والرجولة المبكرة وإنكار الذات خاصة أنه لم يكتف بإعالتهم فق بل اهتم بتعليمهم أيضا، وله بذلك عند الله منزلة كريمة ففي الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينا أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك» رواه مسلم. كما أن هذه المهمات الصعبة لم تنته عن طلب العلم فقد كان يتردد على العلماء وكان أكثرهم اتصالا به الشيخ عبد الله الخلف عالم الكويت الجليل الذي لمس فيه النبوغ واحترم فيه رغبته الشديدة للمعرفة رغم ما يتحمل من أعباء، فلم يأل العالم الجليل جهدا في تعليمه وكان يحبه لما يرى فيه من إخلاص وتفان في رعايته لإخوته القصر.
في مجال التعليم والإرشاد:
في عام 1345هـ على وجه التقريب أجمع المصلون في مسجد الفهد على أن الإمامة ليست منبرا وخطيبا وليست دروس علم تلقى على مسامعهم فقط، وإنما الإمامة إيمان وقول يصدقه العمل، فأجمعوا على أن يتولى الشاب الورع عبد الوهاب الفارس إمامة المسجد بعد وفاة المرحوم ابن مانع إمام مسجد الفهد، واختيارهم له إنما جاء عن رضا الناس به وعلمهم بصلاحه وتقواه وأنه يحمل في قلبه إيمانا يصدقه العمل، وظل يؤم الناس ويدرس الفقه فيه لما يقارب خمسين عاما تولى فيها أيضا عقد النكاح، وتتلمذ على يديه من أصبحوا علماء أجلاء، منهم الشيخ عبد الله النوري وهو العالم الجليل الذي قال إنه تتلمذ على يد الشيخ عبد الوهاب الفارس، فقد قرأ بين يديه كتاب «نيل المآرب في شرح دليل الطالب» وكان ذلك في المسجد قبل صلاة العصر كل يوم فتحول اللقاء إلى حلقة علم يحضرها الناس، كما كان الشيخ عبد الوهاب الفارس يلقي دروس الوعظ والإرشاد طيلة شهر رمضان بعد العصر في مسجده، فالشيخ لم يبخل بعلمه على أحد وقال أيضا إنه صحبه في رحلة لزيارة المسجد الأقصى عام 1961م.
كان يجلس في الحرم المكي لتلقي أسئلة العلماء وجمهور الحجاج ويجيب عليها، وكان يجلس في الحصوة في المسجد النبوي الشريف لهذا الغرض.
عطفه على الفقراء:
رغم ظروفه الاجتماعية وثقل مسؤولياته إلا أنه كان خيرا عطوفا على الفقراء، مدركا لمعاناتهم فلم يبخل عليهم بما في يده، وكان ينفق سرا فلا تعلم شماله ما أنفقت يمينه امتثالا لقوله تعالى: «وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعمله وما للظالمين من أنصار، إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير» سورة البقرة
وفي هذا الجانب من الإحسان قال الشيخ عبد الله النوري: كان عبد الوهاب الفارس جوادا رحيما بالضعفاء كريما عليهم ينفق مما يجده، يعطي لوجه الله وفي ذات الله.
يرفض القضاء تحسبا:
يروي الشيخ عبد الله النوري قائلا:
في عام 1364هـ عرض عليه رئيس المحاكم يومئذ الشيخ عبد الله الجابر الصباح منصب القضاء، وكأني أراه وقد أخذ يجمع ثيابه ويستغفر الله ويستفيذ به.. ثم يرد على رئيس المحاكم قائلا: لا يا شيخ.. لا يا شيخ.. أرجوك اعفني من هذا المنصب فأنا غير لائق به لأني سريع الغضب، ذلك لأنه يخشى أن يصدرحكما يؤرقه طيلة حياته.
وفاته:
انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم السبت 17 رجب 1395هـ الموافق 26 يوليو 1975 تغمده الله تعالى بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته.