كثر الحديث، في الآونة الأخيرة، حول ما اشتهر بـ«صفقة القرن»، وبغض النظر عن الغرق في التفاصيل، أو مدى قدرة القوى المعنية على فرض الصفقة على واقع الأمة رغما عنها، أم لا! إلا أن واقع الأحداث وتسارعها، يؤشر على وقوع حدث ليس في صالح الأمة أولا، فضلا عن أنه سيفضي إلى تفكيك الخليج والجزيرة ثانيا، لينتهي أخيرا بإلقاء الأمة في مستوى من المذلة وضنك العيش غير المسبوق في التاريخ.
 
فالانقسام الواقع في المنطقة ينذر بتفكك البنى التحتية لمجلس التعاون الخليجي، بل قد يؤدي إلى أضرار خطيرة على المستويات الشعبية والاجتماعية، أما الصراعات المحتدمة في اليمن أو سوريا أو ليبيا وغيرها من البلدان العربية الأخرى، ومدى انعكاساتها الراهنة والمستقبلية، إنما تحمل في طياتها أخطارا مدمرة، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. باختصار؛ ثمة حالة من الفزع تتربص بالأمة إذا ما عرفنا أن ما يحدث من أزمات وحروب وحراكات سياسية لا يجري أي منها بمعزل عن الآخر، بقدر ما هي منظومة مترابطة، لنتائج مرسومة.
فما يحدث مثلا في ميناء الحديدة ليس تحريرا، بقدر ما يراه البعض توجها جديدا لتكريس التقسيم الدولي للبلاد، وما بات ثابتا من الثوابت أن الدول المشاركة والفاعلة هناك لم تعد، وربما لم تكن، معنية بتحرير الحديدة من الحوثيين، بقدر ما تبدو شريكة فاعلة في التقسيم وتقاسم النفوذ، أي تفتيت البلاد قبل أي اعتبار آخر. وهذا يعني أن ما يجري في الحديدة إنما يتعلق باليمن برمته وليس بمجرد ميناء تصارع  دولي للاستحواذ عليه، وربما لا نبالغ إذا زعمنا أن تحرير الحديدة أو عدن منها، سيكون أصعب من تحريره من الحوثيين.
 
بل نستطيع الذهاب أبعد من ذلك في الجزم بأن الأمر أخطر وأعمق من مجرد ميناء أو دولة، فالحديدة ودرنة وموانئ النفط الليبية وجنوب سوريا، ليست سوى مقدمات عسكرية لترتيبات أمنية، تتزامن مع اللقاءات السياسية المحمومة و المعلنة، مع العدو الصهيوني، وتمهد الطريق لفرض «صفقة القرن». فاللقاءات ذات الصلة لم تعد خافية، ولا القوى المعنية تعمل في ظلام الليل، بل أصبحت تخطط وتعلن وتنفذ أجنداتها في وضح النهار. ولا ريب أن الجميع لاحظ جليا استنفار الآلة الإعلامية العربية الرسمية وأدواتها، كيف تتربص بالمعارضين والناقدين والمتوجسين، وتصل الليل بالنهار، وهي تعمل على تطويع الشعوب لتقبل ما هو أبعد مما يبدو، تطبيعا مع اليهود. 
 
لكن إذا مرت «صفقة القرن»، فسيكون لها تداعيات بالغة الخطورة تمس، ليس حقوق الأمة فحسب بل وعقيدتها، وتبعا لذلك لن يكون الواقع الشعبي العربي والإسلامي، بعيدا عن التصدعات وربما الارتجاجات العنيفة، مما ينذر، بحراك واسع هذه المرة، ربما يكون على مستوى الأمة وليس فقط على مستوى الشعوب أو الشرائح النشطة.
   إذن ما يجري من وقائع يدق ناقوس الخطر الشديد في جنوب الجزيرة العربية بكل دولها. وهذا لا شك ينطوي على أخطار عظيمة، وطوام كبرى تشارك فيها بعض دول الخليج، بمعية النظام العالمي والنفوذ اليهودي لتمرير «صفقة القرن».
 
ومن الطريف ملاحظة أن هذا الحراك السياسي العربي والإقليمي والدولي يتغطى بأطروحة مخادعة، ربما كان لها مبرر فيما مضى،  ولمّا يزل، ولكنها باتت بلا أي منطق. فليس من العقل والدين مواجهة الخطر الإيراني، عبر التقارب مع «إسرائيل»، وتبني أطروحتها وكأنها الحليف الاستراتيجي المنقذ للأمة! فهذا منطق لا يمكن قبوله عقلا وشرعا وتاريخا. ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ماذا لو سقطت (أطروحة ايران هي العدو)، عبر التفاهم مع إيران أو بالمفاوضات أو بترتيب دولية ما للمنطقة؟ فهل سيتراجع مثلا محور التحالف مع اليهود عن التفريط  بالقدس وإنفاذ الصفقة؟ بالتأكيد: الجواب بالنفي! وهكذا سيكون الرابح الأكبر هي «إسرائيل» وإيران والنظام الدولي، بينما العرب والمسلمون والعقيدة هي الخاسر الأكبر.
 
لذا؛ حق لنا أن نتساءل كغيرنا، بعد كل الذي حدث وسيحدث: ما الذي سيجنيه هؤلاء الذين يقودون اليوم عملية تفتيت لدول سايكس بيكو، والتفريط بحقوق الأمة، فضلا عن إيغارهم الصدور على بعضهم البعض، وإلحاق أعمق الهزائم بها، سوى إصابة الأمة بالكوارث، وإحباطها، وزيادة تراجعها، وتمكين العدو منها! من المستفيد في نهاية المطاف من كل هذا الخراب؟
 
الكويت ومحور الرفض والخيار العربي: بعد كل هذا، وما نراه من أحداث تجري بالقرب منا، وتحسبا من خطر الحصار والتهديد، من نظم باتت تتصرف بموجب البلطجة السياسية؛ وفرض القوة، ومبدأ (إن لم تكن معي فأنت عدوي)،  فقد لا يبقى أمام الكويت ومحور الرفض العربي والإسلامي سوى خيار واحد لا ثاني له، ذلك هو خيار التكاتف، بل إن الكويت اليوم تبدو المرشحة الوحيدة،  للتحول إلى ملاذ للقوى العربية الناشطة، واحتضان هذا المحور، والتحالف الفعلي مع كثير من الدول العربية والإسلامية، لمواجهة مخاطر المزيد من التفتيت ووقف التدهور والتقاط الأنفاس قبل أن يتحطم الجميع. وفي هذا السياق تبدو الأمور متاحة لاسيما بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وما حدث في ماليزيا مؤخرا، حيث بات من الضروري فتح القنوات-على جميع الأصعدة- مع تركيا و ماليزيا وغيرهما، ولكننا نرى بداية، ترتيب البيت الداخلي وتعميق الترابط الشعبي، ومما يعين في هذه القضية الملحة، كترتيب أمني داخلي، المسارعة في تجنيس البدون، و الاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم، لتجسير الفجوة الطبقية في الشعب الكويتي.
 
  وختاما: إن الله غالب على أمره، وليس لنا إلا نقول ونتدبر قول الله عز وجل:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
 
 

                                                                                                              بقلم:
                                                                                                       عبدالرحمن الجميعان
                                                                                                      الامين العام لمنتدى المفكرين المسلمين