تُعد المساجد من أبرز المعالم الدينية والثقافية في العالمين العربي والإسلامي، حيث لا تقتصر أهميتها على كونها أماكن للصلاة فحسب، بل تمتد لتكون مراكز للتعلم والتوجيه الاجتماعي والديني.
وتعد المساجد بمثابة قلب المجتمع المسلم، إذ تجمع بين الأفراد في أوقات الصلاة لتوحدهم في عبادة الله وتذكيرهم بالقيم والمبادئ الإسلامية.
وفي الدول العربية والإسلامية، تعتبر المساجد من الأماكن التي يعكس فيها الفرد ارتباطه العميق بالإيمان وحرصه على ممارسة شعائر دينه. بالإضافة إلى دورها الروحي، تلعب المساجد دوراً اجتماعياً وثقافياً مهماً، حيث تشكل بيئة مناسبة للتعليم، كدروس القرآن الكريم والحديث النبوي، فضلاً عن كونها مكانًا للتضامن المجتمعي من خلال تقديم الدعم والمساعدة للفقراء والمحتاجين. كما أن المساجد تعد منابر لتمرير القيم الإنسانية النبيلة، مثل العدالة والمساواة، وتعزيز روح التعاون بين المسلمين. لذلك، تشكل المساجد حجر الزاوية في بناء المجتمعات الإسلامية، وتسهم بشكل مباشر في تعزيز الهوية الدينية والثقافية للأفراد والمجتمعات. وفي هذه المساحة سنسلط الضوء على أهم المساجد في الدول العربية والإسلامية ودورها في بناء المجتمعات الإسلامية.
بُني على الطراز العثماني ويتناوب فيه اللونين الأبيض والأسود
يضم ضريح القائد الصحابي «سيف الله المسلول»
يُعتبر جامع خالد بن الوليد أو كما يُطلق عليه أيضاً “جامع سيدي خالد”، أحد أبرز مساجد مدينة حمص في سورية وأجملها عمراناً، ويحتل مكانة خاصة في قلوب سكانها، باعتباره رمزاً للتعايش الديني والوقوف ضد الظلم.
ووفقاً لما جاء في كتاب مُعجم البلدان للمؤرخ شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، فإنّ بناء جامع خالد بن الوليد تمّ في العام 1266، وذلك عندما أمر الظاهر بيبرس المملوكي ببناء مسجد فوق الضريح يليق بمقام خالد بن الوليد، ولكنّ المسجد الذي تمّ بناؤه كان صغير الحجم واقتصر على الخشب.
وكان الظاهر بيبرس حينها يعبر من حمص متوجهاً للإغارة على مدينة سيس في المملكة الأرمنية، وذلك بعد انتصاريه في عين جالوت على المغول وفي صفد على الصليبيين. وتشير كتابتان أثريتان بالخط النسخي على قطعتين خشبيتين مؤرختين في شهر ذي الحجة في عام 664 للهجرة، وموجودتان في المسجد إلى انتصار الظاهر بيبرس على المملكة الأرمنية.
يقع جامع ومسجد خالد بن الوليد الواقع في مدينة حمص في سورية في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة حمص الواقعة على نهر العاصي. ويضم الجامع ضريح القائد العربي الصحابي خالد بن الوليد الملقب بسيف الله المسلول، المتوفى في حمص سنة 641م.
بناء الجامع
يعود بناء جامع خالد بن الوليد إلى القرن 7 هجري (القرن: 13 ميلادي)، والبناء الحالي إلى العهد العثماني في القرن 19 الميلادي أيام السلطان عبد الحميد الثاني. حيث أقيم المسجد الجامع على أنقاض المسجد القديم الذي كان قائمًا في نفس المكان في مدينة حمص ومبني وفق الطراز المملوكي أيام السلطان الظاهر بيبرس في القرن السابع الهجري. ويتميز الجامع الحالي ببناء على الطراز العثماني المتصف بالتناوب بين اللونين الأبيض والأسود في حجارته ممزوجًا بطراز سوري جميل.
درة حمص
جامع خالد بن الوليد درة جوامع حمص له بناء أنيق يتصف بالجمال والزخارف الكثيرة، وله تسعة قباب بيضاء متباينة الحجم، وبناء متسع وحديقة خارجية تحيط بالجامع ويمتاز بمئذنتيه الرشيقتين العاليتين التي تجاور القباب التسع. يتألف المسجد من صحن واسع (47x36)م وفيه أربع قاعات في جانبه الشرقي. إحداهما أعدت للوضوء. وأخرى أعدت كمتحف للفن الإسلامي والغرفتان الباقيتان خصصتا مدرسة لطلاب العلم.
أما بيت الصلاة فأبعاده (30.5x23.5)م، وتعلوه القباب التسع أعلاها القبة الوسطى قطرها 12 وترتفع 30 متراً.
يتصدر بيت الصلاة محاريب ثلاثة زخرف الأوسط منها بالرخام المجزع بأشكال هندسية غاية في الجمال بألوان سوداء وحمراء وبيضاء ويقوم عامودان من الرخام الأبيض الجميل على جانبي كل محراب. أما المنبر فهو من الرخام الأبيض المنقوش والمخرم وباحة صحن خارجي متسع، وقد عني أشد العناية بنموذج البناء للجامع بالأحجار الملونة والزخارف والنقوش البديعة.
تاريخ المدينة
ويعد جامع خالد ابن الوليد أو جامع “سيدي خالد”، كما يلقّب في حمص، من اهم الصروح التاريخية والسياحية والدينية لمدينة حمص، فلا يمر وفد إلا ويكون الجامع أحد محطاته الأساسية. وتكتسب اهميته من كون الجامع يضم رفاة الصحابي “سيف الله المسلول” خالد بن الوليد، بالإضافة إلى روعة تصميم بناؤه والذي يشبه الى حد كبير جامع السلطان أحمد في تركيا، لكن بمساحة أصغر حيث يتألف من مئذنتان مضلّعتان بالحجر الأبيض ترشدان الزائر إليه عبر ساحة حمص الواسعة، ففي تلك المدينة التي تشتهر ببيوتها المتوسطة العلوّ تبرز مئذنتا الجامع وقببه.
كما يخبرنا الجامع عن تاريخ مدينة حمص، من ناحية البناء والتعايش الديني. فسكان هذه المدينة المسلمون يفاخرون بأن عائلات مسيحية شاركتهم في بناء جامع الصحابي الجليل، كما ان مزيج الحجر الأسود والأبيض الذي بُنيت به أركانه هو شكل يكاد يكون موحّداً في البيوت الحمصية والكنائس القديمة. فحمص تعرف بأمّ الحجار السود.
والجامع بناؤه تم من حجر يحتوي على مسجد ضمنه ثلاثة محاريب للصلاة ومنبر للخطابة وغرفة ذات قبة فيها ضريحين الواحد يضم الصحابي خالد بن الوليد والآخر يضم ولده عبد الرجمن ويحوي ضريح عبد الله بن عمر الخطاب. وسدة لوقوف المصلين يصعد اليها بدرجين خشبيين وغرفة لوضع أمتعة الجامع ومئذنتين يصعد إليهما بدرجين حجريين وثمانية غرف لإيواء الفقراء ومطبخ وبيت للحطب وممر وبيت للخلاء وغرفة للوضوء وغرفة لتدريس طلبة العلم.
ولابد من الاشارة الى التابوت الأثري النفيس من الخشب المحفور المزدان بالألوان حيث كان يحيط بمقام خالد بن الوليد، والتي قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق بترميمه.
وبالنسبة للتابوت فهو على شكل متوازى المستطيلات - وله قاعدة سفلية يقوم فوقها صف من ستة محاريب ضامرة في كل من الجانبين العريضين وفوق هذه صف آخر من الزخارف الكتابية النسخية وقسم آخر مكتوب عليه آيه الكرسي .”
ويتمتع جامع خالد بن الوليد بشهرة واسعة بين السياح العرب والأجانب حيث يؤمه السياح من كل صوب وحدب. وزادت شهرته بتحويل أكبر مقبرة أمامه كانت تدعى مقبرة آل السباعي الى حديقة عامة في عهد محافظ حمص مصطفى رام حمداني والذي قام بتوسيع شارع حماة، وبتجميل المدينة واظهار الجامع بشكل مكشوف وكان ذلك في اوائل عام 1961 م.
ضريح خالد بن الوليد
يقول ابن بطوطة عن المسجد عندما زار مدينة حمص - ويكمل حديثه عن حمص ومفاتنها وآثارها قائلًا عن المسجد “وبخارج هذه المدينة قبر خالد بن الوليد سيف الله ورسوله، وعليه زاوية وعلى قبره كسوة سوداء”.
ويقع ضريح خالد بن الوليد في الزاوية الشمالية الغربية من حرم المسجد وهو مبني من الرخام الأبيض وتعلوه قبة مزخرفة بالقرب منه ضريح آخر صغير هو ضريح عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.