يعد جامع الأمير منصور عساف، أحد المساجد التاريخية الأثرية وسط مدينة بيروت في لبنان، حيث لاينحصر دوره بالسياحة الدينية بل يتعدى ذلك إلى تأدية دور دعوي وديني معتدل على أكمل وجه. وتتمحور أنشطته خلال شه رمضان حول نقطتين دينية تعليمية واجتماعية خيرية.
وجامع الأمير منصور عساف في العاصمة اللبنانية بيروت أو جامع السراي، بناه الأمير منصور بن حسن بن عساف التركماني، الذي تولى الحكم بعد عمه “قايتباي” في عصر المماليك.
وبنو عساف عُهد إليهم في عصر المماليك البحرية بحماية شواطىء الشام وقد حكموا كسروان وجبيل وكان مركزهم مدينة غزير، وقد امتدت ولاية الأمير منصور عساف من نهر الكلب إلى حماة ( 1552 - 1580م) .
وأقدم وصف لمبنى الجامع قدمه الرحالة عبد الغني النابلسي خلال زيارته لبيروت عام 1112هـ/ 1700م، حيث ذكر بأن المسجد كان له بابان، وإن فناءه احتوى على بركة للمياه، وأن الجامع به قبة رئيسية تحيط بها أربعة قباب، وقد حملت القبة الرئيسية بواسطة أربعة أعمدة.
ويقع جامع الأمير عساف شرق الجامع العمري الكبير في الأسواق التجارية في بيروت، على مدخل سوق سرسق، وقد أصبح هذا المسجد من الأبنية الأثرية بموجب المرسوم الجمهوري الصادر في 16 يونيو 1936م،
وتعود تسمية جامع الأمير عساف بجامع السراي أو جامع دار الولاية إلى أن المبنى أقيم بجوار سكن الأمير المذكور في السراي والذي كان مقراً للحكم أيضاً .
رسالة عظيمة
أقيم الجامع على قطعة أرض كان عليها في السابق مبنى دير وكنيسة لأتباع القديس “ فرنسيس الاسيزي” والتي أقيمت في النصف الأول للقرن الثالث عشر الميلادي.
وقد كان المسجد عدا عن كونه مكاناً للعبادة والصلاة، يؤدي رسالة عظيمة الأهمية كان لها اثرها الكبير في حياة المسلمين، فقد كان منبر عقيدتهم ومنطلق دعوتهم وموحد كلمتهم وجامع شملهم وقلعة صمودهم ومستشفى جرحاهم وبيت مالهم وحصن تضامنهم على كلمة الحق ابتغاء مرضاة الله عز وجل ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد شهدت بيروت في عهدي المماليك والعثمانيين إقامة الكثير من المساجد والزوايا التي انتشرت بالقرب من تلك المساجد، كما أقبل المسلمون على وقف العديد من املاكهم لتلك المساجد والزوايا لما كانت تمثل من مراكز للرباط وأمكنة تقام فيها الأذكار ويتقرب فيها إلى الله بشتى أنواع الطاعات من اطعام المساكين وإيواء الغرباء والاهتمام بتدريس القرآن الكريم.
وقد أراد المماليك تثبيت الوضع الإسلامي في بيروت وجاء العثمانيون بعدهم فركز الولاة عنايتهم لبيروت ومساجدها وزواياها وشيوخ الطرق فيها ونظموا أوقافها وضبطوا احوال مساجدها وزواياها وكل ما له علاقة بالصالح العام للمسلمين، ويدل على هذا نظام توجيه الجهات العثماني الذي حدد الوظائف الدينية الرسمية .
ويتألف جامع الأمير عساف الذي يقع في قلب بيروت من مدخل ومسجد، أما المدخل فهو عبارة عن رواق طوله 50 .16 متر وعرضه 40،5 متر، وينفتح الرواق على الحوش في الجهة الشمالية عن طريق ثلاثة عقود مدببة محمولة على دعامتين من الحجر الجيري طول كل منهما 20،1 متر وترتفع ارضية الرواق بمقدار 40،1 متر عن ارضية الحوش ويغطى المسطح الأوسط من المدخل بقبة ويتم تحويل المسقط المربع إلى مثمن عن طريق مثلثات في الاركان، اما المسطح على جانبي القبة فقد غطي بقبو متقاطع ويلاحظ وجود مقصرة معقودة بعقد يشكل جزءاً من دائرة في الحائط الشرقي والغربي .
المسجد من الداخل
أما المسجد من الداخل فهو مربع الشكل، طول ضلعه 20،17 متر وسقفه مؤلف من أربع قباب، بالإضافة إلى قبته المركزية التي نقشت عليها من الداخل أسماء الله الحسنى، والقبة المركزية هذه محمولة بواسطة أربعة عقود مدببة ترتكز على أربعة أعمدة من الغرانيت قطرها السفلي أكبر من قطرها العلوي، ولكل عمود قاعدة مربعة قليلة الارتفاع، أما تاج العمود فهو من الحجر الجيري وقد شكلت اركانه بشكل ثلاثة تجاويف أو مقرنصات واسفل التاج حلية بارزة بشكل إطارين .
ويبلغ ارتفاع الجامع في الوسط 80 .13 متر وتحت القباب الجانبية 12 متراً فقط وفيه عدد وافر من الشبابيك موزعة على جميع مساحة المسجد وجدرانه الأربعة لتوفير الإنارة الداخلية والتهوية للمسجد الذي اضيفت إليه أجهزة تبريد ومراوح كهربائية تساعد في تلطيف أجوائه صيفاً .
أما المحراب فعبارة عن قوصرة متعددة الأضلاع مكسورة بشرائط من الرخام الأبيض والأحمر على التوالي يكتنفها عمودان من الرخام لكل منهما تاج مقرنص من ثلاثة صفوف، اما المنبر فهو من الرخام الابيض وله مدخل معقود بعقد بشكل جزء من دائرة ويعلو المدخل صفان من المقرنصات ولا يوجد بالمنبر زخارف على الجوانب .
مئذنة المسجد
تقع المئذنة في الواجهة الشمالية للمسجد بالقرب من الركن الشمالي الغربي ويتم الصعود اليها عن طريق سلم دائري من الحجر، وهي غير منفصلة عن كتلة المبنى بل هي جزء من الحائط الشمالي ويبلغ ارتفاعها 17 متراً وهي اسطوانية الشكل قطرها السفلي اكبر من العلوي مقسومة إلى ثلاثة أجزاء وتنتهي المئذنة في اعلاها بمخروط ارتفاعه 90،2 متر يعلوه هلال نحاسي .
ويتسع المسجد لحوالي 800 مصل تقريباً، ويبقى صوت المسجد بعد أكثر من أربعمائة عام على بنائه عالياً في ذكر الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم .
وبالنسبة إلى المئذنة في الواجهة الشمالية بالقرب من الركن الشمالي الغربي، ويتم الصعود إليها عن طريق سلم دائري من الحجر، ويلاحظ أن جسم المئذنة ليس منفصلاً عن كتلة المبنى بل هي جزء من الحائط الشمالي، ويبلغ ارتفاع المئذنة 17 مترا وهي أسطوانية الشكل قطرها السفلي أكبر من العلوي وهي مقسمة إلى ثلاثة أجزاء وهي السفلي والأوسط والعلوي، وتنتهي المئذنة من أعلى بمخروط ارتفاعه 2.90 مترا ويتوج المئذنة هلال.
وفي المسجد لوحة من الرخام الأبيض المثبتة على الدعامة اليسرى بالوجهة الشمالية كتب عليها، (جامع الأمير منصور عساف 995 هـ / 1587م).
وقد أزيلت عام 1977م. وهناك لوحة موجودة حالياً وهي من الرخام الأبيض مثبتة على الحائط الشرقي من الخارج.
وقد قامت جمعية العزم والسعادة الاجتماعية التي أنشأها الأخوان طه ووزير النقل آنذاك نجيب ميقاتي، بترميم المسجد وتغطية احتياجاته كاملة، وقد أقيم فيه مصلى للنساء ومكتبة عامرة بالكتب القيمة. وقد افتتح في 22 يونيو 2001 م.