ويعود الأضحى.. يوم الاستسلام لأوامر الخالق.. يوم يحمل رسالة إلى البشر في قمة الاستجابة لأوامر الله والفداء بأغلى ما يملك الإنسان، يوم استجاب أبوالأنبياء إبراهيم الخليل لأمر الله بذبح ولده، فما أصعب الأمر، وما أجمل الاستجابة، ويتبعها استجابة الابن المستهدف بالذبح «قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ». وهو مستسلم لأمر الله، نعم فهذه رسالة الأنبياء المصطفين الأبرار، ليكونوا قدوة في تلقي الأوامر والاستجابة وهو المنهج الذي أمرنا باتباعه، فهل وصلت الرسالة؟
إن ما تعانيه الأمة اليوم من فتن كقطع الليل المظلمة، كلما اشتعلت واحدة جاءت الأخرى بأكبر منها، لتجعل الحليم حيران ولا يعرف أين الحق ولا متى سينتهي الألم، ونخرج إلى نور الصباح بعد ظلمة الليل، شعوب ثارت بعد أن بلغ السيل الزبى لتتحرر من الأنظمة العسكرية التي نصبها المستعمر قبل خروجه من أوطاننا منتصف القرن الماضي والتي فعلت بنا أسوأ مما فعله، فغابت العدالة ونهبت الخيرات وجعلت من شبابنا عبيدا للغرب والشرق، وحولت مقدرات الأمة إلى استثمارات في بنوك الغرب وشراء السلاح لحماية الأنظمة.
في بيتنا الصغير
ويأتي العيد ونحن في بيتنا الصغير مازلنا نئن من جرحنا البليغ بفقد أهلنا في مسجد الصادق، ويزداد أنيننا باكتشاف خلية إرهابية في العبدلي، كفانا الله شرورها ونواياها الخبيثة، فهل تعلمنا من الدرس؟ كل المؤشرات تفيد أننا مازلنا على «طمام المرحوم» شوية انفعالات ووعود وسلامتكم، الأحداث أثبتت أن الإدارة الحكومية عاجزة تماما عن إيجاد حلول حقيقية لمواجهة الإرهاب وتأمين المستقبل، فلم نر أي خطط حقيقية لمعالجة الاحتقان الطائفي ومواجهة الأخطار المتوقعة من الإرهاب، وينطبق علينا المثل القائل «زرع المجانين يطلعه رب العالمين»، فالبلد مليء بالطاقات الفاعلة لدراسة الوضع واقتراح حلول عملية للأزمة الاجتماعية.
كما أن الاحتقان السياسي على أشده مع تنامي الحلول الأمنية لمعظم قضايانا، وانعكاس ذلك على أوضاعنا الاقتصادية بشكل خفض من معدلات النمو مع انخفاض سعر النفط والعجز عن ايجاد بدائل للدخل تجنبنا مساوئ تقلبات الأسعار العالمية، كما أن منهج الإدارة القائم على استرضاء المقربين على حساب المصلحة الوطنية يزيد الطين بلة.
في بيتنا الخليجي
وفي بيتنا الأكبر بدول مجلس التعاون فإننا نواجه أزمة حقيقية وحربا فعلية بسبب التهديد الفارسي لوجودنا واستقرارنا والذي واجهته مملكة الحزم بقرار جريء من خادم الحرمين وحامي الجزيرة العربية بدخول الحرب لإنهاء الوجود الفارسي المتسلل عبر قلة من الحوثيين وبقايا من نظام المخلوع علي عبدالله صالح، فحولت عاصفة الحزم موازين القوى وأثبتت أننا قادرون على حماية أنفسنا من دون الحاجة إلى الاعتماد على الغرب، كما أنها أعادت تلاحم شعوب الخليج وحكوماته وأوجدت واقعا يحتاج إلى إعادة رسم مستقبل المنطقة، والاهتمام بطاقاتها الشعبية والمادية والانتقال إلى آفاق جديدة، وإعادة استثمار مقدراتنا وتوطين رأس المال واستثماره في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وإنشاء قاعدة انتاجية متطورة.
في بيتنا العربي
أما في بيتنا العربي فالمأساة أعظم، فما زالت شلالات الدم والدمار والتهجير التي ذهب ضحيتها ملايين القتلى والمصابين وأفرزت واقعا مأساويا لم يسبق أن عانت منه الأمة. فقد ثبت أن الغرب والشرق والفرس لا يأبهون بأرواح الأبرياء وأنهم مجتمعون على التآمر من أجل تأمين محيط الكيان الصهيوني، وهذا ما جعل المأساة تخرج عن السيطرة ويدفع ثمنها للعام الخامس الأبرياء في الشام والعراق، فهل يتطلب تغيير النظام كل هذه الدماء؟ فالانتخابات الطائفية في العراق، والتي لم تحقق آمال الشعب، ادت إلى ارتمائه في أحضان الفرس ونهب ثرواته من قبل الساسة واشتعال حرب بشعة مع الإرهاب في غربه، وتوالت التفجيرات اليومية في بغداد والتي يموت بسببها آلاف الأبرياء، فهل هذا ما يصبو إليه الشعب العراقي؟ وبمتابعة مجريات الأحداث في دول الشمال الأفريقي، فهناك تكمن الأزمة الحقيقية، ويشتعل القتال وتسيل الدماء في مصر العروبة، التي يتطلع الصهاينة والغرب إلى إضعافها وإشغالها عن دورها الحقيقي في قيادة الأمة، كما تشتعل الساحة الليبية بين أبناء بلد واحد متشابهين في كل شيء، ولديهم جميع مقومات الاستقرار والنمو، فما الذي يفرقهم؟ وتأتي التجربة التونسية والمغربية في التغيير كمثال لرقي الشعبين في فهم الحاجة إلى الانتقال للمستقبل، من خلال الديموقراطية الكاملة في تونس وتطوير المكون السياسي للملكية الدستورية في المغرب، الأمر الذي يبشر بمستقبل آمن ومستقر وفرصة للنمو الحقيقي. أما عن قضيتنا الأولى، فلسطين المحتلة، وما يواجهه الشعب الفلسطيني من حصار وتجويع وتهويد القدس، وتقطيع أوصال الضفة، التي أثبت فيها أبناء فلسطين قدرة غير مسبوقة على المواجهة والنضال، على الرغم من تخاذل الحكومات العربية، وضياع الجهود الشعبية وعجزها عن نصرة القضية، الأمر الذي جعل الكيان الصهيوني يسارع في تنفيذ مخططاته العدوانية وأحلامه المريضة، فما أحوجنا إلى توحيد الصفوف والتعالي على الجراح، من أجل بناء مستقبل جديد للأمة يدفعنا إلى بلوغ آمال الشعوب في الحرية والنمو والتقدم.