الاضطرابات، والحروب التى يعيشها العالم، أو النظام العالمى القائم، بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، وبالأحرى الأوروبية، وبعد الجائحة (الوباء العالمى)، وما تعيشه منطقتنا العربية من أحوال، وصعوبات، وفوضى منذ عقدين حتى الآن- لم تمنع أن تَشخص عقولنا، وأبصارنا إلى أبوظبى (عاصمة الإمارات العربية المتحدة) عشية الانتقال السلس للسلطة بين رحيل قائد واستقبال رئيس جديد. ودعت العاصمة الخليجية الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، باحترام، وعظمة الكبار، وهدوئهم، والحزن النبيل (شيمة العقلاء)، وقد لمسنا ذلك فى كل جزء من الإمارات، ولكننا قد شعرنا جميعا بروح من الارتياح العميق، حينما رأينا صورة التطور، أو التغيير، تتم ببلاغة ناطقة. صعد الرئيس الثالث للإمارات (الشيخ محمد بن زايد) إلى موقعه الطبيعى، والمنتظر، فى إشارة إلى قوة المركز، ومكانته، والمكانة العتيدة، المنتقلة من الأب المؤسس إلى الأبناء، والتى يحظى بها، وتمت، الرئيس الجديد الذى تغرد له المنطقة العربية، والخليجية.  التطورات المهمة كثيرة فى منطقة الخليج، والعالم العربى، فنحن فى منطقتنا مازال التأثير (للقائد أو الرئيس) هو المباشر على كل المؤسسات الأخرى، ويحتل المرتبة الأولى، والقصوى، أو الرئيسة، أو (المحور الإستراتيجى)، ولنكن أكثر تحديدا فإنه لولا وجود شخص بجرأة، وقوة، محمد بن زايد فى سدة الحكم نائبا عن شقيقه الراحل؛ لما استطاعت دول الخليج، أو المنطقة العربية، مواجهة حالة الفوضى، والصعود للمتأسلمين الهمجيين بمساعدة إدارة أمريكية راحلة (إدارة أوباما) أعطت إشارات للتنظيمات المتأسلمة بالسيطرة على دولنا، وعلى المشرق، والمغرب، ولم يبق إلا أن يهتز الخليج العربى كله تحت أقدامهم بعد ذلك.. سوف نتذكر طويلا، وتاريخيا، للشيخ محمد بن زايد أنه أول من تحرك لمواجهة هذه التطورات المخيفة، ولم يتردد فى حماية بلاده، والمنطقة من هذا الأخطبوط الزاحف لتقويض هذه المنطقة الحساسة فى عالمنا، وأنه الرجل الذى قام بمراجعات مع الإدارة الأمريكية  فى سياستها، واستطاع إبراز أخطائها، مما مكن من مواجهتها بشكل مبكر، ونادى بعد ذلك إلى عمل حساب أمريكى للسياسات الخليجية التى أعلنت للإدارة الأمريكية، والمؤسسات هناك، أنه من الضرورى عمل حساب للموقف الخليجى، والعربى المتغير، والمبنى على أسس علمية، وليس اعتباره معهم (بالتبعية المعروفة) متكيفا مع سياستهم، وكان لوقوفه أمام الهجمة التى تعرضت لها "مصر والسعودية" من الإدارة الأمريكية، والغربية، عموما أكبر الأثر فى التغيير الذى طرأ، بعد ذلك، على كل السياسات الإقليمية فى الشرق الأوسط، والعالم كله، فقد استطاعت مصر تحجيم قوة الفوضى، ومواجهة العدوان الإرهابى، واستطاعت السعودية ترجيح التغيير فيها، والاتجاه إلى إصلاحات قصوى فى كل مسارات السياسات المختلفة التى نراها بارزة،  وقد كان للدعم الإماراتى، وشجاعة الشيخ محمد بن زايد أكبر الأثر فى كل ما نستطيع أن نبنى عليه بعد ذلك ظهور "التحالف العربى" بين "مصر، والسعودية، والإمارات"، وهى الظاهرة العربية اللافتة فى مواجهة حالة الحرب التى أُعلنت على منطقتنا. استطاعت الإمارات بسياسات شجاعة مواجهة اختراقين كبيرين، أحدهما "خليجى"، والآخر "إقليمى"، كانا ينزعان إلى الوقوف أمام التدخلات الخارجية فى إقليمنا، وفى المنطقة العربية، وهما معروفان، ولا داعى أن ننكأ الجروح، ولكن شجاعة الشيخ محمد بن زايد كانت هى الطريق الذى فتح الباب أمام هذا التطور المذهل خليجيا، وعربيا، وإقليميا، وكان من أثرها التغيرات التى نشهدها الآن داخل الموقف الخليجى فى حرب النفط، التى أشعلتها الحرب الروسية- الأوكرانية، ووضعت دول الخليج مصالحها الإستراتيجية قبل تحالفاتها القديمة مع شركائها، ومع الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، وتلك سياسة متغيرة سيكون لها تأثيراتها المستقبلية فى بناء النظام العالمى المرتقب، حيث أصبح الخليج بإمكاناته النفطية، وسياساته المعتدلة رقما صعبا فى السياسة العالمية، فعندما تملك سياسة مستقلة تضع مصالح بلادك، وإقليمك فى المقدمة، وهنا يجب أن نُعلى، ونثمن هذا الحدث، خاصة أنه كان له أبلغ الأثر بعد ذلك فى إعادة الكثير من الصواب إلى الدول التى استباحت المصالح العربية، واستمرأت التدخل فى الشئون الداخلية لتحقيق مصالح ضيقة لدولها على حساب المصالح الإقليمية، والأساسية للشعوب العربية، ومنطقة الشرق الأوسط ككل. إننا إذا وضعنا هذه التطورات فى الميزان؛ لوجدنا كيف سارعت معظم، بل كل، الدول العربية إلى الترحيب بالرئيس الجديد (محمد بن زايد)، بل ذكرت أدواره، وتأثيره، بل ذكروا أن الرئاسة آلت إلى رجل المنطقة القوى، الذى نجح فى تحجيم التدخلات الخارجية، سواء التركية، أو الإيرانية، فى شئون الخليج، والمنطقة العربية ككل،  وأنه أعاد بناء هذه العلاقات على أسس جديدة أعادت الاعتبار للعنصر، والإنسان العربى، بل أعاد كذلك "تموضع" بلاده فى علاقاتها الأمريكية، والروسية، والصينية، والهندية، وانفتاحها الداخلى، وبناء علاقات "تبادل مصالح" حتى مع إسرائيل،  كما لا يمكن أن تحدث كل هذه التطورات العالمية، والإقليمية إذا لم تكن تستند إلى إتحاد إماراتى قوى من الداخل، صنع بوحدته معجزة اقتصادية، واجتماعية لا تتحقق للدول فى عمر الخمسين، ولكن تحققت فى الإمارات العربية، وبين الإماراتيين، سمعة عالمية (رنانة)، واقتصادى قوى، وتماسك مجتمعى، وطريقة فى البناء، والنمو، والنهوض أعادت للشخصية العربية، على الصعيد العالمى، مكانتها مرموقة، بل ثقة فى نفسها أنها أهل للعصر، والتطورات التكنولوجية، والإبداعية، والنمو المتواصل الذى يجرف فى طريقه كل قديم، ويبنى أسسا جديدة تماما. ما يهمنا الآن هو الترحيب بالرئيس الجديد للإمارات، والإشادة بما حققه على الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية لبلاده، و المنطقة، وما يهمنا أكثر هو المستقبل، فنحن نرى أنه أعاد التموضع، والإصلاح العميق لدول "التحالف العربى"، والإمارات، مما يجعلنا نثق فى أن المنوال القادم للتغيير سيكون أشمل، وأسرع، وأن هناك بنية جديدة للعلاقات الدولية العربية، سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو روسيا الاتحادية، أو الصين، بل مع القوى الصاعدة كالهند، وكوريا، وبناء علاقات جديدة حول العالم نحن فى مصر نرنو إليها، خاصة العلاقات الإفريقية، لأنها ستكون طوق نجاة لكل دول تلك المنطقة الحساسة من العالم، وستكون أداة لبناء نظامَ إنتاج غذائى، واقتصادى يلبى تطلعات تلك الشعوب، ويقلل من حجم الصراعات التى قد تولدها حالة الفقر، وانعدام الموارد. إن الهندسة الإستراتيجية الإقليمية الجديدة ستصب فى مصلحة كل شعوب المنطقة العربية، ولعل الشعب الفلسطينى سيكون له، وفى قلبها، نصيب الأسد، بل نقطة ارتكاز كبيرة، وسيكون لسياسة الإمارات الشجاعة مع إسرائيل تأثيرها فى حماية المصالح العربية، والفلسطينية تحديدا، وهى سياسة شبيهة بما أحدثته الإمارات من مراجعات تركية، وبما يحدث الآن من مراجعات إيرانية مع دول الجوار العربى أسوة بما حدث مع تركيا، وامتدادا إلى إيران، ثم إسرائيل.  ملفات كثيرة جعلتنى أشعر بأن سُلم الأولويات العربى بدأ فى بناء نظام عربى، وإقليمى قادر على التفاعل مع نظام عالمى يميل إلى التقلبات، والصراعات، مما يجعلنا نشعر بأن الإماراتيين، وأبناء زايد كانت لهم بصيرة عندما تبنوا سياسات المراجعة، ثم عندما التفوا حول حوار الأديان، وترسيخ قيم التسامح، والتعايش فى فترة حرجة من تاريخ البشرية تتميز بصعود لافت لقوى التشدد، والإرهاب، والشعبوية.. وفى الختام نهنىء الأشقاء الإماراتيين بحكمتهم، ورئيسهم الشيخ محمد بن زايد.