تشوب طريقة التعاطي مع قصة الحسين عليه السلام وخروجه من كربلاء وقتله شهيدا مظلوما مع ثلة من أصحابه، نظرتان متعاكستان، الأولى فيها نوع من التفكير المجافي لآل البيت، وفيها تأثر بالنواصب والخائفين من قضية البدع والخرافات وتفشي الأساطير، وطرف ثان على الضد من ذلك، تظهر فيه روح التحدي والتأثر بالطرف المقابل، فترتفع عنده نبرة المحافظة على التراث، بظنه أن طريق الغلو والمغالاة هو الطريق الصحيح، فتضيع النظرة الصائبة والمعتدلة بين هذين الطرفين، مع ما في البيئة من قوى مؤثرة ومستعدة للتأجيج!
وفي الحقيقة أن الذي يضل في هذا الركام الهائل إنما هو «الحقيقة» و»الموضوعية»، ولذا نرى اليوم ارتفاع نبرات الانتقام، والتشفي، وضرب فكر أي عقل يريد التخفيف، والقراءة الصحيحة للحدث.
ثم أنا على يقين، بأن درب الغلو واسترجاع التاريخ الأسطوري، لن يستمر طويلا، بل ستأباه العقول الحكيمة، وستمجه النظرات الواقعية المعتدلة، ولن يستمر أكثر من فترة محددة، ثم ستنطفىء شعلته كما انطفأ غيرها من ذي قبل، وهنا نريد تخفيف غلواء الطرفين، ونقرأ الأحداث بعقلانية وموضوعية، ضاربين عرض الحائط كل هذه الخزعبلات، وكل هذه التوجهات، وكل هذه الصرخات والصيحات المناهضة للتوجه العقلاني المطلوب.
بادئ ذي بدء الكل يدرك بأن الحسين، صحابي جليل، تربى في حضن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحضن علي رضي الله عنه، الذي له مناقب كثيرة في الإسلام، لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل أو حاقد، ثم هو ابن فاطمة الزهراء عليه السلام، سيدة نساء العالمين، وجدته خديجة رضوان الله وسلامه عليها، وهي من هي!
الأمر الثاني أن الحسين عاصر خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم خلفاء، من أبي بكر رضي الله عنه حتى الحسن عليه السلام، أخوه، ورأى كيف تدار الأمور، وكيف تكون السياسة، وكيف يكون الدين، وأين توضع مصالح الأمة، وأين توضع المصالح الشخصية، فعلم وأدرك ورأى وفهم كل ذلك، فهو ليس بالإنسان الغافل، ولا المغفل.
الأمر الآخر، أنه لا يمكن مقارنة الحسين الصحابي ومن أصحاب النبي صلى الله عليه، ومن أهل البيت وأصحاب الكساء، يقارن برجل أدنى منه منزلة في كل شيء، فهنا المقارنة ظالمة، ولا يمكن أن تكون.
من الأمور المهمة في هذا الشأن قضيتان:
الأولى البحث في مصادر حادثة كربلاء، وجمع الروايات المخالفة والمناهضة والقوية والضعيفة ثم غربلتها للخروج برواية الأقرب للصحة، ثم لا ننسى العوامل البيئية والسياسية والاجتماعية آنذاك، والتي كان لها التأثير الكبير في الحادثة.
القضية الثانية:
يبقى الحسين بشرا، له ما له وعليه ماعليه، ولا يجوز رفعه إلى مصاف الأنبياء عليهم السلام، ولكنه صحابي جليل، قتل شهيدا مظلوما، وما كان لذاك الجيل قتله فضلا عن التمثيل به.
وكذلك دعوة لجميع العقلانيين، والراشدين، أقول تمكنوا من المنابر، وانشروا الرأي المعتدل الصحيح، حول كل هذه القضايا، حتى لا يتحول الحسين عليه السلام إلى مجرد أيقونة للربح والخسارة!
 

                                                                                                                         بقلم:
                                                                                                                عبدالرحمن الجميعان
                                                                                                      الامين العام لمنتدى المفكرين المسلمين